عبد الحميد أحمد

سوالف صيف

كنا عندما يجيء الصيف صغاراً، يسلم الواحد منا رأسه إلى أبيه أو المحسن، الجوال (غير جوال اتصالات الشهير) الذي يفترش عند الضحى، ظل الخيمة أو ظل نخلة، فينزل في الرؤوس جزاً بالمقص وصنفرة بالموس، حتى يأتي على الشعر عن بكرة أبيه ويترك رؤوسنا مثل القرع أو البطيخ لامعة تحت الشمس.

ثم ننطلق إلى البحر، وعند ملامسة الماء لبطيخنا (الأقرع طبعاً) نشعر بلسعة برد، وبلذعة الملوحة، وبعد سنوات، عندما جاء الحلاقون الهنود وفتحوا محلات خاصة للشعر، تولوا هذه العملية الصيفية بالنيابة عن آبائنا، أو المحسن التقليدي، وكنا نقوم بعملية التقريع هذه كعادة أولاً، وكنظافة وحماية من أمراض الصيف وعلى رأسها القروح، ثانياً، ثم إنه كان عيباً على الواحد منا أن يترك شعره مسترسلاً كشعر النسوان، كما يفعل شباب هااليومين.

اليوم، لا يقبل الشباب على حلاقة رؤوسهم «ع الزيرو» بل على العكس من ذلك، نراهم يطيلون شعرهم في الصيف، وبعضهم يتفنن في تسريحه وتلميعه وتشميعه، وفي قصه حسب آخر مبتكرات القص، من البانك والكابوريا وربما الروبيان والمارينز أيضاً، استعداداً لرحلة الصيف إلى الخارج أو لزوم الصياعة والمغازلة في الأسواق والمراكز المغلقة المكيفة.

وهؤلاء يسافر بعضهم برفقة أهله، سواء للعلاج أم السياحة، على اعتبار أنهم يتولون رعاية الحريم والعناية بهم وتولي شؤونهن في بلاد الخواجات، غير أنهم حالما يطبون تلك البلاد، يتركون أهلهم في الشقق والفنادق، ويختفون عن الأنظار ليلاً ونهاراً، ليتسكعوا في الأسواق والحدائق، يستعرضون ملابسهم المزركشة والعنكاش والتي يعتقدون أنه كشخة، وبالطبع فإن شعورهم الافرو أو الاسطوانية أو المسدلة أو تلك التي تشبه في أصباغها ريش الطيور تأتي في مقدمة عدة التسكع والاستعراض، حتى صار يصح عليهم القول من رؤوسهم يعرفون.

ولو أن عند هؤلاء ذرة مخ لبادروا إلى مسح رؤوسهم صيفاً على الزيرو، فذلك أوفر لهم أولاً حين يستغنون عن السشوار والشامبو والهيرسبراي وأنواع الأمشاط البلاستيكية والخشبية وحتى الحديدية ويستغنون كذلك عن أدوية القمل والصئبان، وأنواع الكريمات والدهون إضافة إلى الجانب الصحي لعملية التقريع هذه، لولا أن شبابنا لا يهمهم التوفير ولا حتى النظافة، طالما أن الفلوس يقبضونها بسهولة بيد ليتولوا حرقها باليد الأخرى بين ليلة وضحاها وكأن بينهم وبين الفلوس ما صنع الحداد. وبما أننا نتحدث اليوم عن مظاهر الصيف، ونعرف سلفاً أن كلامنا للشباب ضائع يسمعونه من أذن ويخرج من الثانية في اللحظة نفسها، فإننا ننصح غيرهم، من العقلاء وأرباب البيوت والأسر، أن يهتموا في الجو الحار بمأكل الأجداد، الذين اكتشفوا عفوياً وبالفطرة، بدافع الضرورة والحاجة أيضاً، بعض الأطعمة التي تلائم جونا الحار، ويكون تناولها مفيداً للصحة والطاقة والبدن ومقاومة الأمراض. وعلى رأس القائمة، أو المنيو الشعبي، التمر والرطب ولن نعدد فوائده التي لا شك أن غالبيتكم تعرفها، ثم إننا لسنا استشاريين وأخصائيين في الطب ولا في الغذاء، خاصة إذا تم تناوله مع الجامي صباحاً، ونضيف للقائمة اللبن ومشتقاته خاصة اليقط الذي يحبه الأطفال، أطفال زمان طبعاً، لا أطفال الكادبري والليون بار والمارس والباونتي. ثم تصوروا وجبة مثل المالح مع الرز والليمون اليابس والبصل، مع رشات من الخل، وعن الخل اسألوا الأطباء لمعرفة فوائده صيفاً، خاصة أنه يساعد على تحمل الحرارة وضربات الشمس واصفرار وذبول الوجه.

أما السمك، فلا يعلى عليه، وإذا كان الكنعد والتبان والهامور، وهذا الأخير صار رغم أنه شعبي وجبة الذوات والخواجات في فنادقنا، ضربها الدود والقريفط والكفت (وهذه أمراض الدجاج والغنم) فإن النيسر المشوي، وهذا موسمه وأسماك أخرى مثله لا نظير لها في طعمها ولذتها وحلاوتها. وكل ما ذكرناه سابقاً متوفر على الدكات في أي سوق سمك، من المالح والخل واللومي والجامي واليقظ وغيرها، أمام بائعينا من الشواب حفظهم الله، وما عليكم إلا اتخاذ القرار لتنعموا بصيف له طعم الصيف حقاً، لا طعم السفن أب والكريت بيبسي.

من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.