ربما بعد اليوم، سيكون من حق البعض من إخواننا الفلسطينيين، أن يعود إلى بيته وحارته في فلسطين، إذا استطاع أن يثبت أن له نسباً أو صلة قرابة بالنعامة أو الحمار الوحشي أو العنز أو التمساح.
أما القرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة، والذي يتحدث عن حق العودة للاجئين، فهذا لا يقدم أملاً لهم بعودتهم إلى ديارهم، لأن شامير فسره على أن العودة هي من حق اليهود وحدهم، وتعرفون ونعرف، أن تفسيرات إسرائيل لقرارات الأمم المتحدة، وحدها التي تصلح في النهاية ويوافق عليها المجتمع الدولي، خاصة في ظل النظام العالمي الجديد، الله لا يحرمنا من ثمراته، والذي هو نظام خاص مفصل لقمعنا وقهرنا من دون خلق الله أجمعين، على اعتبار أننا أمم متطرفة وإرهابية ولا يفيد معنا إلا العين الحمراء والعصا الغليظة.
لهذا نرى إسرائيل تقصف وتدمر جنوب لبنان هذه الأيام، عقاباً لسوريا وللبنان معاً، اللذين تطاولا على هذا النظام وقاطعا لجان السلام المتعددة، فيما مجلس الأمن حامي حمى العالم، جالس على عرقوبيه يتفرج، لا حس ولا كلام.
ونعود لحق العودة، الذي أضافت إليه إسرائيل مؤخراً، حق عودة بعض الحيوانات إلى أرض الميعاد، شريطة أن يستطيع هذا الحيوان إثبات أنه يتحدر من جد كان يقيم في فلسطين أثناء مرور العبرانيين فيها قبل ثلاثة آلاف سنة.
ولهذا الغرض، فإن أوري تسون وهو عالم طبيعة إسرائيلي، وأبراهام يوفيه، وهو جنرال، انكبا على حصر الحيوانات الوارد ذكرها في التوراة بهدف إرجاعها إلى فلسطين، وسجلا من هذه الحيوانات: تماسيح، حمير وحشية، نعام، أسود ولبؤات، دببة، ظباء، ماعز وغيرها، ثم تم إنشاء هيئة شبه رسمية لها ميزانية خاصة كبيرة من أجل تحقيق هذا الهدف.
وفي تقرير صحافي، إن فرق تفتيش انتشرت للبحث عن هذه الحيوانات التوراتية، فإحداها ذهبت إلى صحراء الحبشة وألقت القبض على دزينة من الحمير الوحشية، و18 نعامة (أي دزينة ونصف) تنطبق مواصفاتها على مواصفات جداتها من الحمير والنعام، من حيث الطول والوزن وسرعة الركض والألوان، ووضعت تحت تصرف هذه الفرقة طائرة عسكرية خاصة، ثم إن فرقاً أخرى ذهبت للصين وبلدان أوروبا، وبعضها إلى حدائق الحيوانات الشهيرة، وفرق أخرى تخطط لسرقة أنواع من هذه الحيوانات من الحدائق الخاصة بالأفراد. ونعتقد أيضاً أن سرقة هذه الحيوانات ستكون من البساطة إلى درجة كبيرة كيف لا وقد سرقت إسرائيل بلاداً بأسرها على عينك يا تاجر.
أحد الإسرائيليين يقول إن وراء هذا المشروع فلسفة عميقة، إذ لا يجوز أن يعود اليهودي إلى أرضه بعد غياب ألفي سنة دون أن يراها كما قرأ عنها في التوراة والكتب القديمة فعودة هذه الحيوانات يعني تهيئة المناخ نفسه الذي كان سائداً حين كان اليهود يعيشون في فلسطين. ولن نضيف أكثر مما في هذا التقرير لكي لا ينقهر إخواننا الفلسطينيون زيادة على ما هم فيه، فيتمنى الواحد منهم لو أنه نعامة أو تمساح توراتي مبارك يحق له العودة. ومع أن الفلسطينيين، لا الإسرائيليين، هم الذين يتخذون من الحيوانات والطيور مسميات لهم، فنجد عندهم الصوص والحوت وأبو قويق وأبو حجلة والنمر وأبو النمل وغير ذلك من الأسماء الشهيرة المعتبرة، إلا أن هؤلاء حسب الشريعة اليهودية والمنطق الإسرائيلي، لن يحق لهم العودة، لأن الحيوانات التي تسموا بها لم تذكر في التوراة، ولا يوجد بينهم وبينها (حيوانات التوراة) أي علاقة دم أو نسب أو مصاهرة من قريب أو بعيد حتى يثبت حقهم في العودة. ولابد أن بعضهم بعد أن يقرأ مثل هذا التقرير ويعرف الجهود الإسرائيلية المبذولة لإعادة هذه الحيوانات المقدسة إلى أرض الميعاد، يسارع فيبدل لقبه، فيسمي نفسه علي أبو نعامة، أو ياسين الحمار، أو محمود التمساح، أو سعيد العنز، لكي يكون مشمولاً بالقرار 194، وبالعطف العالمي اللامحدود. غير أن البلية أن إخواننا الفلسطينيين راحت عليهم هذه المرة أيضاً، لأن أمهاتهم لم تنجبهم أصلاً ظباء أو تماسيح أو نعاماً.
من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.