الملياردير الأمريكي روس بيروت أصبح منافساً جدياً لكل من المرشح الديمقراطي بيل كلينتون والمرشح الجمهوري، جورج بوش، والأخير كما تعلمون هو مرشحنا في سباق الانتخابات الأمريكية، الذي صرنا نخاف عليه هذه المرة من منافسة الملياردير، حيث يستطيع هذا أن يصرف أكثر من غيره على حملته الانتخابية ومن ماله الخاص دون الاستعانة بأموال الآخرين كما يفعل الديمقراطيون والجمهوريون معاً، ثم إنه يستطيع احتكار شبكات التلفزيون لصالح حملته الانتخابية، والتلفزيون، كما هو معروف، هو الذي يشكل الرأي العام ووعي الناس في أمريكا.
وبيروت هذا، لا نعرف عنه شيئاً سوى أنه ملياردير، ثم إن الأمريكيين أنفسهم بدأوا يميلون إليه، حسبما تظهر استطلاعات الرأي، ويبدو أنهم هذه المرة يرغبون في تجريب أن يحكمهم ملياردير، على أن يحكمهم سياسي عادي، يأتي إلى الحكم براتبه ثم يغادره مليونيراً، إضافة إلى أن ذاكرة الناس الشعبية في أمريكا تحمل الكثير من النوادر عن الأثرياء مما يجعلهم محبوبين ومقبولين شعبياً، فأمريكا هي بلد الأثرياء والمليونيرية ورجال الأعمال في المحصلة النهائية. وربما يكون مفيداً لنا لفهم روس بيروت، هو أن نفهم منطق أثرياء أمريكا من نوادرهم، حيث إن عالمهم يدور حول الدولار والصفقات والبترول والمغامرات أيضاً. والأمريكيون يقولون إنهم إذا أرادوا معرفة ميول أطفالهم في المستقبل، فإنهم يقفلون على الطفل الغرفة، ويضعون معه الكتاب المقدس وقطعة نقدية من فئة الدولار وتفاحة. فإذا أمسك الطفل بالكتاب المقدس قالوا إنه سيصبح قسيساً في كنيسة، وإذا تناول التفاحة وقضمها عرفوا أنه سيصبح فلاحاً، أما إذا اختار الدولار، فإنهم يؤمنون أن طفلهم سيصير رجل أعمال أو صرافاً. غير أن ثمة حالة رابعة، قد يرون الطفل عليها، وهو أن يكون جالساً فوق الكتاب ويحمل بيده الدولار وباليد الأخرى يقضم التفاحة، عندها لا يشكون لحظة أن طفلهم سيشتغل في السياسة.
وربما أن بيروت هذا، هو هذا الطفل جامع الحسنات الثلاث، وها هو يكملها بحسنة الاشتغال في السياسة، لو فاز في الانتخابات وأصبح رئيساً للولايات المتحدة، فإنه سيتعامل مع موظفيه وإدارته بدءاً، ثم مع العالم ودوله، بمنطق المال والأثرياء الذي نجده في النوادر التالية:
فأحد أثرياء تكساس من رجال البترول زار باريس، وعند برج إيفل وقف يتأمل هذا الصرح المعماري، ثم قال لمرافقيه: هذه المنشآت البترولية ممتازة، لكن كم هو إنتاجها اليومي ومن أي نوع؟
أما آخر، فقال للصحافيين عند برج إيفل نفسه: هذا البرج يشبه بناية الامباير ستيت، لكن بعد أن تمر بين أيدي محصلي الضرائب.
وكان اثنان من أثرياء أمريكا ينتظران مجيء سائقهما بعد أن فرغا من تناول طعامهما في أحد المطاعم الفاخرة، لكن السائق تأخر، فخطر في بال أحدهما شراء سيارة رولز رويس فدخلا وسألا عن الأسعار، فقال البائع: إن سعر النوع الفاخر المزود بثلاجة وتلفزيون وجهاز هاتف مئة ألف دولار، فسحب أحدهما دفتر شيكاته من جيبه لكي يدفع الثمن، إلا أن زميله اعترض عليه قائلاً: اسمح لي أيها الصديق فقد دفعت أنت ثمن الطعام قبل قليل.
أما جون روكفلر، أشهر أثرياء أمريكا، فيروى عنه أنه استدان ذات يوم عدة سنتات من سكرتيرته ثمناً لأجرة التاكسي من مكتبه إلى بيته، فقال لها وهو خارج: ذكريني بهذه الصفقة، فردت عليه: ليست هذه صفقة تذكر.
فصاح بها: ليست هذه صفقة، إنها فائدة دولار في سنتين!
وبما أننا لم نقرأ بعد أي تصريحات لبيروت توضح آراءه السياسية، الداخلية والخارجية، فإنه من المتوقع أن يحكم أمريكا في حالة فوزه بهذا المنطق، وهو على كل حال، منطق حلو، سيجعل العالم يضحك لطرافته، مما يجعلنا نسمي النظام العالمي الجديد بقيادة بيروت، بالنظام العالمي الضاحك.
من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.