في ريودي جانيرو، حيث تنعقد قمة الأرض، لم يجد اللصوص فرصة لسرقة شيء من هذا المؤتمر الذي يحتشد له عدة مئات من المسؤولين والخبراء، غير كابلات خطوط الهواتف التي تصل إلى فندق الصحافيين. فخلعوها وحملوها ولاذوا بالفرار وبالغنيمة طبعاً، وشخصياً، تمنيت بعد قراءة هذا الخبر، لو أن هـؤلاء اللصوص تمكنوا من التسلل إلى داخل أروقة ومكاتب المؤتمر، ليسرقوا الوثائق الخاصة به، والتي قالت الأخبار قبل بداية هذه القمة، إنها تقع في 25 مليون صفحة، لكانوا أراحونا وأراحوا رؤوسنا من متابعة أخبار هذه القمة وتقاريرها وأرقامها الفلكية وتحذيراتها التي تثير الهلع في نفوسنا على مصيرنا ومصير كوكبنا ونحن مثلما تعرفون مش ناقصنا.
ثم إن هذه الصفحات المليونية يمكن اعتبارها غنيمة دسمة لمثل هؤلاء اللصوص، الذين ما احترفوا السرقة والنهب لولا أنهم عاطلون وجوعى، حيث إن هذه الأوراق قد تفيدهم، إما بأكلها لتسد جوعهم لمدة لا تقل عن عام، أو بافتراشها عند وقت النوم، وربما استطاعوا بيعها لبقال أو لصاحب مطعم بسعر معتبر لكي يلف بها السلع والمأكولات للزبائن.
وبما أن أمراً كالذي نتمناه لم يحصل، حيث إن القمة محروسة بالدبابات والجنود المدججين بالسلاح وبالشرطة السرية، التي يقال إنها أفرغت شوارع المدينة من العاطلين والمشردين وحتى من الأطفال الفقراء المتسكعين، لكي تظهر بمظهر لائق خلال أيام القمة، فإنها سلمت من اللصوص، كما سلمت من نقمة سكان المدينة الجميلة، التي يشتهر عنها أنها قمة مدن العالم في الفقر والفوضى والبطالة والتلوث.
ولابد أن سكان هذه المدينة الذين أبعدتهم السلطات عن مكان انعقاد القمة، صاروا ناقمين على الأرض وعلى سكانها من البشر الآخرين، خاصة وهم يرون المسؤولين والخبراء والمشاركين في هذه القمة والقادمين من كافة أطراف المعمورة (سابقاً) يترجلون من سياراتهم الفارهة، وهم في طريقهم إلى داخل مبنى المؤتمر أو خارجه، وفي أفواه بعضهم السيجار الهافاني، وبملابسهم الأنيقة والنظيفة، أو وهم يشاهدونهم في أخبار المساء على شاشات التلفزيون يتجادلون ويناقشون في أروقة نظيفة، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء القيام بجولة داخل مدينتهم ليتعرفوا على الطبيعة، ما معنى التلوث، وما معنى الفقر، وما معنى انعدام الموارد، لكي يكفوا عن كل هذا النقاش العقيم، ويقرروا عملاً ملموساً مشتركاً من أجل الأرض حقاً، ومن أجل سكان الأرض، خاصة الفقراء، أمثال سكان ريودي جانيرو نفسها.
غير أن اختيار مدينة مثل ريو لتكون مقراً للقمة لم يقنع بعد الدول الغنية بأهمية المشكلات الجوهرية التي تعانيها الأرض، بدليل أن فاصلة في إحدى فقرات برنامج القرن 21 والمتعلقة بموضوع نقل التكنولوجيا أثارت خلافاً حاداً بين الدول النامية والدول المتقدمة، استمر ساعة ونصف، حيث طالبت الأولى بحذف الفاصلة وأصرت الثانية على بقائها لتكون جملة اعتراضية، أما مندوب عمدة العالم، أي الوفد الأمريكي، فقد طلب إمهاله لكي يستشير واشنطن قبل إبداء رأيه في هذه الفاصلة.
وإذا كانت فاصلة أثارت كل هذا الخلاف، فإن علينا الانتظار 25 عاماً أخرى وربما أكثر، لكي يتفق الجانبان، محورا قمة الأرض على الــ 25 مليون صفحة، ولو أن لصوص ريو سمعوا بهذا الخلاف، لتقدموا بمشروع حل ينهي المشكلة فوراً يقضي بقيامهم بسرقة الفاصلة، ربما تكفيهم كوجبة عشاء لذيذة، يقعدون بعدها ليمصمصوا عظامها وشحمها، إذ لابد أن هذه الفاصلة من الدسم والشحم واللحم ما يجعلها بمثل هذه الأهمية لكي تثير كل هذا الجدل.
وليس لنا إلا أن نضحك مثل غيرنا، لأن مصير الأرض صار معلقاً بفاصلة، هي الفرق بين الأغنياء والفقراء، وأن قمتها ليست إلا جملة اعتراضية في تاريخ البشرية.
من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.