عبد الحميد أحمد

جمعية الرفق بالآباء

يبدو صحيحاً القول إن الأبناء عندما يكبرون لكي يتحملهم الآباء يصبحون هم غير قادرين على تحمل آبائهم.

هذا ما يشهده حالياً الآباء في الغرب، وإن كان ما عندنا لا يقل عما عندهم، حيث الصبي ما إن يبدأ شاربه في البزوغ وعضلاته في الافتتال، فيصير قبضاي وفتوة، لا يسمع لأبيه، ويرد عليه الكلمة كلمتين، ولو كان الأمر بيده لطرده من البيت، بلا ندم ولا أسف، وبعض الآباء للأسف يستحقون ما يصلهم.

غير أن ما نخشاه هو أن يتطور أبناؤنا كثيراً، وهم يفعلون بسرعة هذه الأيام، حتى إننا نعجز عن اللحاق بهم، فيجرجروننا إلى المحاكم ويبهدلوننا أمام خلق الله، وهم يطلبون الحكم علينا ومعاقبتنا لأي سبب أو قول أو تصرف لا يعجبهم منا. ونبدأ من الغرب، حيث قرأنا أمس خبر طفلة عمرها أحد عشر عاماً رفعت دعوى أمام محكمة في لندن، تطالب بالانفصال عن أسرتها والسماح لها بالعيش مع أسرة أخرى تتبناها، وكان لها ما أرادت، فطلقت عائلتها بالثلاث.

والبدعة عادة ما تكون أمريكية في هذا العصر، ثم تبدأ في الانتشار عالمياً، ولهذا فإننا قرأنا خبراً آخر منذ شهور عن صبي أمريكي وكّل محامياً لإقامة دعوى ضد والديه، والطلب من المحكمة بالسماح له بالعيش مع أسرة أخرى، لأن والديه يسيئان معاملته ويتشاجران كثيراً، وهو لم يعد يطيق خناقاتهما المستمرة، وردحهما المتبادل. وحكمت المحكمة لصالحه، لأنه من حق الولد أن يحظى بحياة هادئة ولو كان ذلك عند والدين لم ينجباه، وليشرب أبواه الأصليان من البحر.

وقصص من هذا النوع الواقعي، الذي يبدو لنا حالياً خيالياً وغرائبياً، سرعان ما تتبناه السينما والتلفزيون، وإذا كان أولادنا لم يقرأوا مثل هذه الأخبار بعد لأنهم لا يقرأون، ما يجعلنا نعتقد أن في الجهل «نورن» أحياناً ونعمة، سرعان ما سيعرفونها بعد سنوات ربما، من التلفزيون والفيديو، وعندها يا ويلنا ويا سواد ليلنا. وأول ما نتوقعه أن تشهد محاكمنا قضايا بالجملة، يرفعها أطفالنا ضد الأمهات مطالبين بالسماح لهم بالعيش مع سيلا ولويزا وتريزا وروزيتا وميلا وغيرهن من المربيات الفلبينيات والحجة عندهم، أن هؤلاء هن اللواتي أرضعنهم ولو بالمصاصة وحملنهم على صدورهن، من لحظة الولادة والأعمال الشاقة كتغيير الغيار والنظافة، حتى لحظة أخذهم للمدارس وانتظار عودتهم منها مروراً بالطبع بإطعامهم وإشرابهم وتسليتهم.

وربما يجد هؤلاء سنداً لهم في قولنا إن الأم هي من ربت وعلّمت لا من خلّفت وأنجبت، فيضحون بالبوسة التي تمنحها لهم أمهاتهم الحقيقيات كلما سنحت لهن فرصة لذلك، لصالح المربيات اللواتي يطعمن ويلبّسن ويسهرن الليالي.

وعلى هذا يحق لنا أن نتوقع نزيفاً في ثروتنا البشرية، حين نرى الفلبينية وهي تغادر إلى بلادها، قد اصطحبت معها دزينة من الأولاد المحكوم لصالحهم، لولا أن الفلبينية ليس في مقدورها مادياً إعالة هؤلاء وإعاشتهم وهذا ما يقلل من مخاوفنا في الوقت الحالي، غير أن مثل هذه قد تلجأ إلى المطالبة بــ «نفقة» لإعاشة أطفالنا، الذين يصرون على التمسك بهن حتى الرمق الأخير.

أما عن الآباء فحدث ولا حرج، حين يمرمطهم هؤلاء الأبناء أمام المحاكم، مطالبين بالسماح لهم بتربيتهم، وإقامة الوصاية عليهم، ومراقبة تصرفاتهم بحيث يضمن الولد صاحب الدعوى مبيت والده في البيت، وعدم تأخره مساء عن العودة، ووجوده في كل وجبة طعام معه على المائدة، وغير ذلك من المطالب المشروعة.

وبما أن أولادنا، في مثل هذه القضايا سيكونون على حق، فإن المحامين جاهزون لاستلام ملفات قضاياهم، من التي نراها الآن بدعاً غربية، إلا أنها لن تكون كذلك غداً، ما يجعلنا نقترح على الآباء والأمهات الذين لا يريدون التربية، إلى الإسراع في إنشاء جمعية الدفاع عن الآباء (أو جمعية الرفق بالآباء)، قبل أن يأتيهم مثل هذا اليوم وتصل فيه فضائحهم إلى المحاكم، فيندمون على اليوم الذي قرروا فيه الزواج والخلفة.

من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.

جمعية الرفق بالآباء