لا يمر يوم من دون أن أتلقی كتاباً أو أكثر، باليد أو بالبريد، يبعثها كتاب وآخرون، على سبيل الإهداءات، ما يسبب زيادة التوتر في العلاقات ما بين الصحافي منا وبين حرمه المصون، حيث يدخل عليها عادة، وفي يده رزمة صحف ومجلات، وفوقها كتاب أو كتابان، بدلاً من کیس برتقال أو رزمة ملفوفة بالسلوفان، من النوع الذي تحبه النساء، أو حتى شوال بصل للمطبخ.
ولا يفكر الكتاب إهداءنا مرة باقة ورد، أو زجاجة عطر فذلك آخر ما يخطر لهم على بال، ثم إن بينهم وبين الأشياء الحلوة والجميلة عداوة تاريخية سببها بالطبع ضيق ذات اليد، وضيق الصدر أيضاً، مما هم فيه من کمد وأحزان، وكأن الأديب صارت حرفته من بعد الكتابة، إشاعة الهم والغم، في كل بيت.
علاوة على ذلك، فإن الأغلب، أن هؤلاء، ومعهم بقية القراء، لا يتصورون الصحافي منا إلا وهو في حالتين: إما يقرأ، وإما يكتب، فسيتكثرون علينا الراحة، وبقية ما يقوم به خلق الله من نوم وأكل وشرب وحك الرأس ودخول حمام وخروج منه، فلا يجدون أمامهم ما یهدونا إیاه سوی کتبهم، أیاً ما تكون هذه الكتب، وعلى ذلك، فأرجح أكثر أنهم يستخسرون فينا باقة الورد، أو أي هدية أخرى، يمكنها أن تنعش الروح، وتذكرنا في لحظات أننا بشر كالآخرين، فيصرون كل حين أن يهدونا ما يذكرنا بالجبر والورق، فيزيدوننا كمداً على ما نحن فيه، حتى صارت حياتنا حبراً وورقاً، على حد ما تقول إحدى الأغنيات.
ولعل هؤلاء يتصورون أننا لا نصدق أن يهدينا أحدهم کتاباً، حتى نترك ما وراءنا من عمل وقدامنا، ونتفرغ لهم، وهو مالا نفعله بصراحة، لأننا لو قمنا بذلك، ما اشتغلنا، ولاستغنت الصحف عنا، ووجدنا أنفسنا في الشوارع بلا عمل، مثل غالبية الأدباء العاطلين رغماً عنهم، إضافة إلى أننا لا نجد من الوقت ما يكفي لقراءة عدة صحف عربية، ومحلية، ومعها شوية مجلات بشكل يومي، ما يجعل كتبهم تتراكم فوق الطاولة، على أمل أن نتصفحها يوماً.
غير أن أم العيال تفاجئنا بعد حين بكنس هذه الكتب، التي طال مكوثها على الطاولة، فتسببت في إيذاء مشاعرها، (على اعتبار أنها دليل الفقر) وفي تخريب الديكور والمنظر لغرفة المكتبة، فتقوم برفعها إلى الرفوف لتستريح هناك، بانتظار يوم نجد فيه الوقت فنفتحها، وهكذا تتحول هذه الكتب، يوماً بعد آخر، إلى أحد أسلحة المدام، عند الزعل والخصام، فلا تفوت فرصة إلا وتعيرنا بمكتبة الصراصير والعث، وبتحويشة الورق، عند أي مقارنة بيننا وبين أي جار آخر، اشترى لمدامه فستاناً، أو دیکوراً جديداً للبيت، أو سيارة آخر موديل، ما يجعلنا عندها نخسر المعركة، ونخفض أعيننا إلى الأرض، الله الوكيل.
ومع أن بعضهن، مثل حرمنا المصون، تهدد بين حين وآخر، برمي المكتبة وما فيها من كتب وقصاصات صحف وأوراق إلى القمامة، أو بيعها بالمزاد العلني (مع اليقين أنها لن تجد من يشتريها) وذلك من باب توفير ثمن المبيدات الحشرية، وعناء التنظيف الأسبوعي والكنس من الغبار والبق، إلا أنهن للحق، لم نسمع عن واحدة منهن بعد نفذت تهدیدها، ما يرفع مقامهن عندنا، ويجعلنا نقدر تضحياتهن، مقارنة بتضحيات غيرهن من بنات حواء، فذلك قدرهن وقدرنا، ولو على رقابنا.
ولو استمر هؤلاء في إرهاقنا بكتبهم، لخربوا علينا بيوتنا، خاصة أن الواحد منا يبدأ صباحه بقرض صحفنا المحلية، ثم يكمل فترة بعد الغداء بالمجلات خاصة الخفيفة، فإذا جاء آخر الليل، قرضنا الصحف العربية وغيرها، ما يجعل منا جرذاناً لا بشراً في بيوتنا وعند حريمنا، ومع ذلك فإننا لا نطلب منهم، رغم مشکلاتنا، التوقف عن إهدائنا كتبهم، ما يهدوننا إياه باقات فكر، وعصارات أرواح، ولو كنا نستخسر في بعض ما يصلنا الورق الذي طبع عليه.
9/5/1993
هدايا لا تعجب الزوجات
مع الناس 4