عبد الحميد أحمد

السبوس والدجاج

من الكتب التي وصلتني هذا الأسبوع، کتاب «أمثال وأمثال لكل الأجيال» الذي جمعه وحققه الإذاعي خمیس إسماعيل. وباين على خميس، قبل هذا الكتاب، أنه من المغرمين المولعين بالمأثورات الشعبية، وكل ما له علاقة بها، من أمثال وعادات وتقاليد وأدوات قديمة وما إلى ذلك، حتى أنه وزملاء آخرين له، من بينهم راشد الخرجي، أعطوا منذ أن عملوا في إذاعة دبي، نكهة محلية صرفاً للكثير من برامجها، بما في ذلك، البرامج المباشرة الجماهيرية، وهو ما كانت تفتقد إليه إذاعاتنا المحلية، ما يستحقون عليه الشكر والتقدير.

وبما أنني لا أعرف خميس شخصياً، إلا أنني أبيح لنفسي أن أتصوره يعيش في بيت من بيوتنا القديمة، حيث الأسرة الكبيرة، التي تكون ركيزتها الجدة والجد، وعلى هذا، ربما أن خميس يجالس جدته يومياً لساعات، فيأخذ من سوالفها وحكاياتها وتجاربها ويدرب لسانه على كل ما هو عامي من الكلام الذي لم يعد له وجود الآن، علاوة على أن غالبية شبابنا يفتقدون إليه ولا يجدونه، حتى صار بينهم وبين ما خلفه آباؤهم وأجدادهم جداراً من العزلة، سببها الحياة المعاصرة بما فيها من أشكال جديدة لتلقي المعارف، على رأسها التلفزيون.

وهكذا صار عندنا شباب الأتاري والفليبرز، وشباب الماكدونالد والكافيه دي باري، وشباب السيارات السبورت والبناطيل الجينز والقصات الجاكسونية، وشباب الديدي وربما (الدي دي تي) وسلامتها أم حسن، فضاعت أشياؤهم الجميلة والأصيلة، بموت الجدات وسوالفهن وتأثيراتهن التربوية، بعد أن حلت مكانهن المربيات من كل نوع ولون.

لذلك، كنت كلما استمعت إلى خميس إسماعيل في الإذاعة، تصورته يغرف من معين أصيل، ما يجعلني أدعوه للتمسك بجدته، حقيقة كانت أم مجرد تصور، فمن خلال دوره وعمله وتركيزه على المأثورات، يعيد النبض من جديد إلى ما فقدناه من خصوصية في برامجنا الإعلامية وفي حياتنا اليومية.

ونعود إلى كتابه، الذي سبقته كتب أخرى في هذا المجال، لعل أولها ما وضعه إبراهيم الصباغ عن الأمثال العامية في الإمارات، فنقول، إنه بطباعته الأنيقة وبساطة إخراجه، واشتماله على توضيحات وشروحات ومقارنات، يضيف جديداً إلى سلسلة الكتب والجهود المهمومة بجمع المأثورات الشعبية قبل ضياعها، ويبقى على الجيل الجديد مهمة الاقتراب منها وقراءتها، ليجد فيها جزءاً من حياة الماضي، حيث تعكس هذه الأمثال نمطاً من التفكير والعادات، غالبيتها حميد ونبيل، لعل في ذلك ما يعيد إليهم شيئاً من التوازن المفقود حالياً، حيث تجرفهم ثقافات الدش والأغاني إياها وثقافة الترفيه، على حساب ثقافة العقل والروح والسلوك.

ومن الكتاب، نجد أن هؤلاء ينطبق عليهم المثل من رابع المغنين غنى ومن رابع المصلين صلى، ما نأمل أن يتحولوا إلى مصادقة المصلين، فالحمار إذا ربطته عند الحصان يتعلم طبایعه، وهو ما لا يجده شبابنا اليوم حتى تعلموا طبائع غیرهم، على نحو ما نرى ونحزن.

ونختم بأمثلة من الكتاب، يمكن تعميمها لغير الأغراض التي قيلت فيها، فيمكن مثلاً أن نطلق على إسرائيل مثل دیاية ومنقارها حديد، طالما نحن أعجز من أن نمس ريشة فيها، ما يجعل مثلاً آخر بطله الدجاج أيضاً ينطبق على العرب وهو: من خلا نفسه سبوس لعبت به الدياي، لولا أن الذي يلعب الآن دیاية واحدة فحسب، وهذا يفسر لهفتنا على السلام وجرينا وراءه حتى من دون الآمال المتوخاة، فيكون عندنا الشيص في الغبة حلو (مثل آخر).

وعلى الأخوة العرب، قراء زاوية اليوم المعذرة، والبحث عن مترجم للكلمات، لكي تستقيم عندهم المعاني، فلا يكونوا اخبط من حاطب ليل.

  14/5/1993

السبوس والدجاج