حسب الإحصاءات والأرقام المعلنة، نحن شعب آخذ في الانقراض، لا بسبب قلة عددنا مقارنة بالعمالة الوافدة فحسب، بل بسبب ما نرتكبه من حماقات وحوادث نقتل فيها أنفسنا، وبمعدلات تفوق قدرتنا على الإنجاب وتعويض الخسائر. فقد عرفنا، في الاحتفال بيوم الصحة العالمي مؤخراً، أن حوادث الطرق والحوادث المنزلية ارتفعت من عام 1974 إلى عام 1992 بنسبة 230٪ في حين ارتفعت نسبة الإصابات 460٪ والوفيات 370٪، وفي العام الماضي وحده بلغ عدد الحوادث 22 ألفاً نتج عنها وفاة 520 شخصاً، ومن سلم من الموت، فأغلبهم طريحو المستشفيات.
هذه الزيادة في الحوادث والوفيات، حسب مصادر رسمية، تفوق نسبة الزيادة السكانية خلال الفترة نفسها، ومعنى ذلك أننا بعد سنوات، مع هذا الفلتان والانتحار الجماعي والفردي، سيتقلص عددنا، ونصبح فعلاً مثل الهنود الحمر مهددين بالانقراض، لكن بيدنا لا بيد عمرو، وبسياراتنا لا بسيارات غيرنا.
ومع أن الطرق تمت معالجتها، خاصة الخارجية، فتم توسيعها وإضاءتها، إلا أن معدلات الحوادث في ارتفاع. ما يجعلنا نبحث عن حلول أخرى لوقف هذا التدهور المستمر في القوى البشرية التي نحن في أشد الحاجة إليها.
ويمكن طبعاً زيادة معدلات الولادة، عن طريق تشجيع الزواج وتخفيض نفقاته، وهو ما سوف يقوم به صندوق الزواج، وتشجيع النسل أيضاً، حتى لو اقتضى الأمر، صرف بدل نقدي مباشر قيمته خمسون ألف درهم لكل طفل حديث الولادة، لكي نحفظ التوازن بين معدل الوفيات والولادة، فلا ننقرض بعد حين ونحن نتفرج على هذه الكوميديا، لولا أن مثل هذه الحلول لا يمكن وحدها أن تعدل الميزان، طالما أن الناس لا تكترث بأرواحها، وطالما أن الشباب يلقون بأنفسهم إلى التهلكة من خلال توابيت فاخرة ونعوش طائرة تتحرك على الطرقات، ألمانية وأمريكية ويابانية فخمة.
لذلك، نعود إلى ما سمعناه أمس من صاحب السمو رئيس الدولة، وهو يتحدث إلى أعضاء صندوق الزواج، حيث أشار إلى أن من أهمل شيئاً فقده، سواء كان ولداً أم مالاً، في انتقاد مباشر إلى الآباء وأولياء الأمور، الذين تساهلوا في مالهم وعيالهم، إلى حد فقدان هؤلاء على الطرقات في مذابح، أين منها مذابح البوسنة، ومذابح الفلسطينيين، ومذابح السود في جنوب أفريقيا، وإلى الحد الذي صرنا كبشر ومجتمع على طريق الأباتشي والموهیکان.
واتهام الآباء بالمسؤولية الأولى، لا يأتي من فراغ، بل من واقع الأرقام التي تشير إلى أن أغلبية مرتكبي هذه الحوادث القاتلة هم من الشباب، وتزيد على ذلك دوائر الشرطة حين تشير إلى لا مبالاتهم واستهتارهم وعدم تقيدهم بالقوانين والسرعات المحددة، ما يعني عدم قدرتهم على تحمل مسؤولية قيادة السيارات بسبب عدم نضج شخصياتهم وأفكارهم، فكيف يتساهل آباؤهم معهم إذن، يضعون بين أيديهم أدوات للقتل؟
وإذا أضفنا إلى حوادث السيارات، ما نخسره من شباب آخرين في حوادث أخرى، كالجنح وتعاطي المخدرات والتسرب من المدارس وما إلى ذلك، تكون مسؤولية الآباء مضاعفة، مما يمكن معه محاسبة هؤلاء بدلاً من أبنائهم، باعتبارهم يعرضون المجتمع بإهمالهم للأبناء، وعدم تربيتهم والحرص على تنشئتهم بما يليق بهم كآباء، إلى خطر الانقراض، مما يمكن عده مع خطأ التركيبة السكانية الحالي، قصر نظر واضحاً، وإهمالاً فادحاً في حق الوطن والمواطن، سوف ندفع ثمنه جميعاً في يوم ما، وكل ما نقدر عليه حالياً هو أن نرجو الله ألا يكون مثل هذا اليوم قريباً وإلا صار المواطن فرجة على اعتباره مخلوقاً نادراً، مثله مثل «أي.تي» الهابط من كواكب نائية، في الفيلم المشهور.
21/5/1993
مواطن «أي.تي»