ستمعنا واستمتعنا بحديثي صاحب السمو رئيس الدولة عند لقائه بأعضاء مجلس إدارة صندوق الزواج، فقد شعرنا أن الحديثين موجهان إلى كل مواطن على هذه الأرض الطيبة، خاصة أنهما كانا على الطبيعة وبلا رتوش أو مونتاج، ما يجعلهما حقاً من القلب إلى القلب، بلا حواجز ولا مجاملات، وهو ما عهدناه في مجالسنا كلما أثير حوار حول شأن من شؤوننا العامة، التي تهم المواطنين جميعاً، حكاماً ومحكومين.
في لقائه الأول طلب سموه من الآباء نصح أبنائهم وتعهدهم بالرعاية والمتابعة، لكي تستقيم أمورهم، وعدم إهمالهم، لكي لا يضيعوا، على النحو الذي أشار إليه سموه حين تحدث عن وباء المخدرات أو آفة التظاهر ولو على حساب مستقبل الشاب وعائلته، أو داء السرعة وما تجره من مذابح بتنا نعرفها ونفزع منها.
أما في لقائه الثاني، فقد خص سموه الأبناء بهذا الطلب، حين حثهم على نصح آبائهم وتوعيتهم، في معرض حديثه عن المغالاة في المهور، باعتبارهم أكثر علماً وثقافة ودراية بعصرهم.
ونرى، ونحن نعتبر هذه المفارقة دلالة على إطلاع سموه على جوهر مشكلاتنا الاجتماعية، لا تناقضاً في أقواله. إن ما يشبه الجفاء القائم بين الآباء والأبناء، أو ما يمكن أن نسميه قصور الحوار وضعف الاتصال، هو واحد من الأسباب الرئيسية في تدهور شبابنا الذين لا يجدون من يرشدهم ويصوب خطواتهم، على عكس ما كان الحال في الماضي، حيث يرافق الابن والده أو جده أو عمه أو خاله صبياً، في العمل والمجلس، فيتعلم منه مباشرة، ويجد من حواليه ألف نموذج وقدوة حسنة، كما يستمع كل هؤلاء إلى خلجات وأسئلة الصبي، فيجيبونه راشدین له ناصحين معلمين إياه.
أما اليوم فلا الأب المشغول بتجارته أو بوظيفته أو بأصدقائه يخصص وقتاً من يومه لأبنائه، وإذا طلب هؤلاء شيئاً أحالهم إلى وزارة الداخلية، وبالمقابل تفرغ الأولاد للشغالة وللتلفزيون والأتاري، فمن أين يحدث حوار واتصال، غير حوار الطرشان؟
لهذا، فإنه إذا كان عندنا اليوم آباء يحتاجون إلى النصح والإرشاد بعض الأحيان، فإن عندنا من الأبناء من يحتاجون إلى الرعاية كل الأحيان وفي كل الأوقات، لولا أن آبائهم تخلوا عن هذه المسؤولية، فأصاب العلاقة ما بينهما، شرخ وتصدع، ندفع ثمنه مجتمعاً ووطناً.
ونعود إلى حديثي رئيس الدولة، اللذين لن تفي بهما مثل هذه الزاوية السريعة فنتوقف عند محطة أخرى، هي مطالبته للتجار والمقتدرين ورجال الأعمال بدور فاعل في المجتمع، وتجاه أهلهم وأبناء وطنهم من خلال قيامهم بالأعمال الخيرية، ومساهمتهم في تخفيف العناء عن أبناء بلدهم، بما حباهم الله من مال وفير وأرباح سنوية طائلة.
ولم يكن سموه ليشدد على مثل هذا الطلب، لولا ملاحظته إحجام هؤلاء عن مثل هذه الأعمال، أو قلتها وضعفها مقابل ما يجنون من أرباح وأموال، مصدرها الأول الأمن والاستقرار، وما توفره الدولة من تسهيلات وخدمات بلا مقابل، وهو ما لا يتوفر في أي دولة في العالم، ما يجعل إنفاقهم في الخير واجباً وطنياً لا مناص منه، وحقاً عليهم لوطنهم ومواطنيهم، وإلا فإنهم يكونون كمن ينكر الجميل ويتنكر للمعروف، ويجعل أموالهم بلا قيمة ولا مضمون اجتماعي.
غير أننا نترك هؤلاء لنعود إليهم لاحقاً في زاوية مستقلة، ونختتم بإشارة رئيس الدولة، قبيل نهاية الحديث الثاني أول أمس، حين طلب من المواطنين قول الحق دائماً وتصويب ما يرون خطأ، واستعداده لتقبل كافة الآراء، مشيراً إلى أن من يسكت منهم أو يصمت فإثمه عليه، ما يجعل من هذه الدعوة الصادقة والجريئة، قانوناً لنا نحن الصحفيين قبل غيرنا، ممن نتردد أحياناً عن قول الحق، أو كشف الخطأ، وفي رأس كل منا ألف حساب وحساب.
24/5/1993
قول الحق