عبد الحميد أحمد

الحب أعمى

الحب أعمى، لذلك هناك كثيرون يقعون في الحب من دون ان ينظروا امامهم، اي من دون ان يستبصروا مستقبلهم وما ينتظرهم، الا واحدا وقع في الحب من النظرة الاولى الا انه نظر ثانية فحمد الله وشكره، وهذا اليوم نادر . وبما ان عيد الحب، او عيد فالنتاين، قد مر علينا هذا الاسبوع، وهو تقليد غربي سنوي، صرنا للأسف نعرفه في وطننا العربي مؤخراً، بحكم وسائل الاعلام والتقليد الأعمى واختلاط البشر والثقافات، فإننا في الوطن العربي عموماً لا نحتاج الى عيد يذكرنا بالحب، فنحن افضل واشطر من الغرب في الحب وعندنا من المحبين والعشاق القدامى والجدد ما يفوق شعر الرأس، لولا اننا نخجل من الحب وسنينه بحكم العادات والثقافة، فنفضل الحديث عنه همساً والوقوع في براثنه سراً. وفهمنا من صحف ان النساء اشترين الذهب هدايا لعيد الحب فيما اشترى الرجال الورود، والسبب طبعاً كما قالت التقارير ضيق ذات اليد عند الرجال، وهو سبب غير مفهوم على الاطلاق الا اذا تحول الرجال الى ارباب بيوت يتقاضون مصروفهم من البهوات والافندية النسوان اللائي تحولن الى شغيلة وعمال ومديرين وموظفين وهو ما لم يحدث بعد. شخصياً رجحت سبباً آخر، هو ان مقدارنا نحن الرجال عند النساء ارتفع وصار يثمن بالذهب، فيما مقدار النساء عند الرجال لا يزال يثمن بالورود، ومعنى ذلك اننا اصبحنا عملة نادرة تسعى النساء الى طلبنا بالذهب، فنتفاءل خيراً في الألفية الثالثة، مع دعواتنا المستمرة لكي يبقى الحب اعمى واطرش واخرس ايضاً، اذ لولا ذلك لما اهدتنا النساء ذهباً. طبعاً هذا الكلام يغضب نساء يرين الحب مثالياً ورومانسياً، والورد عندهن اهم من ذهب الدنيا وألماسه، وهو كلام مع الشك في وجوده اليوم، الا اننا لا نستطيع الغاءه على الاطلاق، فثمة قطط مغمضة موجودة فعلاً، وثمة من اكل الرجال بعقولهن حلاوة يصدقنه، بدليل ان هذا يهديهن وردة بعشرة دراهم او اقل، او قام بقطفها من رصيف شارع، فتراه دليل محبة، فنترك هذه القطة المغمضة تعيش بوردتها وتفرح الى اليوم الذي تستيقظ فيه من احلام اليقظة. هذا اليوم للأسف بعيد ولا يأتي الا بعد خراب البصرة، والمرأة لن تعرفه الا عندما تعاتب من احبت فتقول له: لقد أعطيتك افضل سنوات عمري، فيرد عليها: وماذا تريدين مني، هل اعطيك ايصال استلام؟! او يجلس هذا مرة فيتذكرها ثم يقول لأصدقائه: لقد اعطتني احسن سنوات عمرها، وهي الآن تعطيني الاسوأ، فتعرف مثل هذه المرأة ان الرجال ليس لهم امان وانهم مثل المية في الغربال وان المرأة العاقل هي التي اخذت في شبابها الالماس والذهب هدايا، خوفاً من اليوم الاسود الذي تتلقى فيه الورود. وكانت امرأة سألت من تحب: هل ستحبني عندما اصبح عجوزاً؟ فرد عليها: ولماذا انتظر الى ذلك الوقت، وهذا الرجل الواقعي هو الذي يقال له ان الحياة تبدأ في سن الاربعين فيقول: سأفقد الكثير من المتعة لو انتظرت كل ذلك الوقت، وبما انه لا ينتظر فهو يبحث عمن يحب وعندما يجدها يهتف: أحبها بسبب صفاتها العظيمة، ويُسأل ما هي هذه الصفات؟ فيجيب: يكفي ان اباها صاحب متجر مجوهرات. طبعاً هذا الرجل يحب فتاته الى درجة عظيمة ويعبد الأرض التي يصنع فيها والدها المجوهرات، وهو يشبه الفتاة العاقل التي تقول لمن تحب: اذا كنت تحبني فعلاً، عليك ان تتزوج واحدة غيري، لأنها من العقل الا تتورط مع واحد مفلس وفقير لا يهديها في عيد الحب سوى وردة وربما بلاستيكية ايضاً، فيعرف مثل هذا الفقير، انه لا يعيش بالحب وحده، فيحتاج الى عيد للخبز اكثر مما يحتاج الى عيد للحب، فهذا اليوم لمن يقدر عليه ذهب وفضة، وهو المستوى الذي لم يصل اليه بعد المواطن العربي، لكي يفرح بعيد الحب.

عبد الحميد أحمد
التاريخ: 17 فبراير 1999