نبذة عبد الحميد أحمد

الاقتصاد الوطني أولى

ينفذ القطاع الخاص في السعودية، بالتعاون مع إحدى الشركات البريطانية، مشروعاً صناعياً ضخماً بكلفة 750 مليون ريال، في منطقة جبيل الصناعية، والمصنع الجديد، الذي يضاف لسلسلة المصانع والمشروعات الكبرى التي اقتحم ميدانها رجال الأعمال السعوديون، سينتج في بداية تشغيله حوالي مليون إطار، وسيوفر 750 فرصة عمل.

المهم في الأمر، أن تنفيذ مثل هذا المشروع يأتي بعد خمس سنوات من التفاوض مع الشركات العالمية للحصول على التكنولوجيا الحديثة لصناعة الإطارات، وكان يمكن لأصحاب المشروع أن يغضوا النظر عنه نهائياً، لأن ما يعيق الصناعة المتقدمة هو الحصول على التكنولوجيا باستمرار، والتي تحتكرها الدول الصناعية وتعتبرها من أسرار الدولة، فلا تفرط فيها، لولا أن مثابرة هؤلاء وحرصهم على الدخول في ميادين الصناعة المتقدمة، بعد الصناعات الخفيفة، كان له الأثر الطيب في النجاح وبدء تشييد المصنع.

نقول ذلك، لأننا ننظر بتقدير وإعجاب إلى تجربة رجال الأعمال والمستثمرين السعوديين، الذين يخطون من نجاح إلى آخر، عاماً بعد عام، وهم يحولون رؤوس أموالهم وأرباحهم إلى مزيد من المشروعات، في قطاعات الصناعة والزراعة والعقارات والخدمات، سواء بتأسيسهم مثل هذه الشركات منفردين، أو طرحها للاكتتاب العام، حتى صارت هذه المشروعات تحقق إيرادات عالية، ونسبة معقولة من مجموع الدخل القومي السعودي، وصار الكثير من منتوجاتها يحول للتصدير إلى الأسواق الخارجية، القريبة والبعيدة على السواء.

وصار عند السعودية اليوم مجموعة من أكبر الشركات الناجحة، مثل سابك وسافكو والدوائية والتصنيع الوطنية وصدق والخليجية والوطنية وغيرها كثير، ما نتوقع معه أن تتحول السعودية إلى بلد صناعي في المنطقة العربية والشرق الأوسط، لا مجرد مصدر للبترول، وهي تصدر إليه منتجات تقوم أساساً على الصناعات البترولية، إضافة إلى المنظفات والدواجن والألبان والعطور والزجاج وغيرها كثير.

ونرى أن تجربة السعودية هذه، جديرة بالاقتداء بعد البحث فيها، فعندنا في الإمارات ما يشجع مثل هذا النمو الصناعي، من بنية تحتية مكتملة، ورؤوس أموال عالية، وبنوك تحقق أرباحاً طائلة، ودعم حكومي قابل للاستثمار والتطوير وسمعة تجارة طيبة، فيما لو عقد عندنا رجال الأعمال والتجار العزم على خوض غمار الصناعة، التي هي اليوم أساس التقدم وأساس كل اقتصاد قوي، وذلك بتحويل جزء من أرباحهم السنوية إلى مثل هذه المشروعات وطرح الجزء الآخر منها للمساهمة العامة، كما يمكن للحكومة نفسها أن تكون شريكاً في بعض هذه المشروعات، خاصة الضخم منها والذي يتطلب رأسمال كبيراً.

غير أن ما نراه عندنا يختلف عما نتمناه، فلا الصناعات الصغيرة قادرة على البقاء، ولا رجال الأعمال يقتربون من ميدان الصناعة، ولا البنوك تساهم أو تتبنى مشروعات جديدة، ولا أنها توسع من قاعدة مساهميها، حتى صار بعضها محتكراً على أشخاص قليلين، وقد توقفت منذ سنوات طويلة عملية إنشاء مثل هذه المشاريع المساهمة، التي بإمكانها امتصاص مدخرات المواطنين وإشراكهم في بناء بلدهم، ومن ثم استفادتهم من الأرباح.

وقد عجبت شخصياً مؤخراً، حين قرأت أن أحد بنوكنا الوطنية الكبيرة مول مشروعين عندنا لشركتين يابانيتين هما سونی وایوا، الواحدة منهما تزيد أرباحها السنوية على دخل هذا البنك، كما قام بنك آخر بتمويل مشروع آخر لشركة سويدية، ما يعني أننا لا نستفيد من هذه الشركات الأجنبية شيئاً، طالما أنها تستفيد من الامتيازات والتسهيلات عندنا، بما في ذلك الاقتراض من بنوكنا، فهي لا تجلب معها رؤوس الأموال إلى بلادنا ولا تشغل مواطنينا، ثم نجد عندنا من يتحدث عن مشروعات وعن نهضة اقتصادية وصناعية، نقارع بها بلدان العالم.

لذلك يكون على غرف التجارة والصناعة عندنا، بأعضائها وإداراتها، وعلى اعتبار أنها ملتقى رجال الأعمال، إعادة النظر في سياساتها وفي دورها، لكي لا تتحول هذه بعد حين إلى مجرد وسطاء، ومنظمي معارض وزيارات وحفلات استقبال عامة وما إلى ذلك، بعيداً عن دورها الحقيقي في المساهمة في بناء اقتصادنا الوطني.

7/6/1993

الاقتصاد الوطني أولى