عبد الحميد أحمد

ثقافة الدجاج

نقول عن الساحة الثقافية في الإمارات إنها نشطة، وحيوية، وذلك لكثرة النشاطات الثقافية التي تشهدها، وهذا الحكم الانطباعي صحيح وصائب فيما لو نظرنا إلى الكم الثقافي، الذي يفوق ما هو موجود في دول عربية أخرى، وتناسينا أو أهملنا الكيف داخل هذا الكم، وهو كيف قليل ونادر، وهنا مكمن الخطورة.

يمكن أن نطلق على ساحتنا الثقافية صفة الغوغائية، حيث الهدير الصاهب في كل مكان وعلى مدار العام تقريباً، وحيث الصوت الحقيقي نادر كالخرافة.

تعالوا مثلاً نستعرض معارض الكتب، فبين معرض الشارقة إلى معرض الشارقة ثمة معارض أخرى قابلة لأن تدخل ضمن الإحصاء وأخرى متفرقة صغيرة لا تحصى لكثرتها معرض دبي الذي تقيمه البلدية، ومعرض المجمع الثقافي ووزارة الإعلام في أبوظبي، ومعارض العين وهي متعددة، ومعرض الفجيرة ورأس الخيمة.. وهكذا، تتوالى المعارض وتنصب لها الخيام ويلاحقها الجمهور كملاحقته للريح، وغالباً لا يخرج منها إلا بقبض الريح، كل جهة مستنفرة لإقامة المعارض، الجمعيات المعنية وغير المعنية، المدارس والأندية، حتى تجار الكتب ووكلاء دور النشر استطاعوا بطرقهم الخاصة إقناع جهات عديدة تولت تنظيم معارض لهم، ولا يهم بعد ذلك مستوى هذه المعارض، جيدة أو رديئة، فيها كتب ومطبوعات جديدة أو مكررة، معروضة مثل علب السردين في البقالة أو مستحضرات التجميل في الصيدلية.

معارض ثقافية حقيقية أو معارض ثقافية تكمل الديكور الحضاري (!)، المهم أنها معارض، والمهم أنها نتاج حمّى غريبة اسمها موضة المعارض في خضم الشره الاستهلاكي، وحشر مع الناس عيد كما يقولون.

تعالوا أيضاً نستعرض بسرعة نشاط ما يسمى بالندوات والمحاضرات والأمسيات، حيث لا يكاد يوم يمر دون أن تشهد الإمارات عدداً من هذه النشاطات، محاضرة دينية هنا، أمسية شعرية هناك، ندوة في مكان آخر، وصار ليس مهماً من ينظم هذه الفعاليات وأية جهة، هل هي جهة ثقافية حقيقية معنية بتأسيس الثقافة، أم هي جهة دخلت المزاد الثقافي، والسوق الثقافي في هذه الفوضى السائدة، في هذه الغوغاء الصاخبة، حتى صارت الجمعيات النسائية والأندية الرياضية وغيرها تزاحم فجأة المؤسسات الثقافية الحقيقية، التي أقيمت أصلاً للاهتمام بكافة المناشط الثقافية ورعايتها، بينما كانت هذه الجهات التي دخلت على الخط عنوة في سبات عميق لسنوات خلت، وعلينا ألا نستغرب أن يأتينا يوم نرى فيه جمعية نسائية مثلاً تنظم مؤتمراً لمناقشة العقل العربي، ونرى فيه نادياً رياضياً يقيم ندوة حول فن القصة القصيرة وتأثيرات الحداثة فيها، وبالمقابل نرى اتحاد الكتاب والأدباء يتولى تنظيم معرض للأزياء، وأن تقوم جمعية التشكيليين بتنظيم مزادات لبيع الأثاث المستعمل والخردوات.

الغريب أيضاً أن كثيراً من هذه النشاطات تكون تحت شعارات دعائية وإعلامية كبيرة، وتحت لافتات عريضة، لا تكتفي بإيهام الجمهور بضخامة الحدث الثقافي المقبل وأهميته، بل توقعه في شراك الخديعة، كأن يقال مثلاً إن ثمة مهرجاناً شعرياً هناك، أو إن أسبوعاً ثقافياً يتم تنظيمه هنا، فيكتشف الجمهور المغلوب على أمره أن المهرجان ليس إلا أمسية، وأن الأسبوع لم يكن إلا ندوة ومحاضرة ومعرضاً هزيلاً.

كل ما يجري على الساحة الثقافية الآن هو نوع من اللامعقول، نوع من الصخب، من الكرنفال والاحتفال، من الهوس بشيء اسمه الثقافة، لكن كم هو ما يجري بعيد حقاً عن الثقافة!

قبل سنوات، حذرنا من المظهرية، من الديكورية، من هذا الاستعراض المقيت الذي قد يصيب الثقافة ويرديها قتيلة، حيث كل هذا الديكور يؤدي إلى تسطيح الثقافة وتسفيهها، والأخطر أنه يقود الجمهور إلى إدارة الظهر عنها، والانقلاب ضدها إلى أمور أخرى، منها الكرة والتلفزيون واللهو المريح، وما أكثر كل ذلك في ساحتنا.

ويحق لنا بعد ذلك التساؤل بمرارة، وببراءة أيضاً: لصالح من هذه الغوغاء الثقافية، هذا الثغاء والخوار والنباح والقأقأة؟ حتماً ليست في صالح الثقافة التي نريد، ثقافة التأسيس، النوع، النقد، البناء الحقيقي الشامل.

.. فهل هي ثقافة للدجاج؟ من يعلق الجرس؟

ثقافة الدجاج