عبد الحميد أحمد

سر البيت المهجور

يقولون إن فيه شيئاً مخيفاً… عفريتاً أو شبحاً… أو جنياً… الجميع يتحدثون عنه ويخافون الاقتراب منه عند حلول المساء… الكل خائف منه.

يسود الصمت برهة ويقلب الأطفال أياديهم وتنفلت نظراتهم صوب البيت القديم المخيف. ويقطع الصمت محمدوه قائلاً:

ماذا لو نأتيه في الصباح لنعرف ما فيه؟

وتنبري له فطيم صائحة به:

لا تستطيع أن تفعل ذلك يا محمدوه… فالكبار يخافون الاقتراب منه، فكيف نحن؟

إنه بيت قديم مهجور… وشيء ما يسكنه يفزع الناس. أمي قالت إياكم الاقتراب منه أو اللعب بجواره.

وأكمل سعود حديث سلوم:

الحارة كلها تتحدث عن البيت… أبي يقول إن أهله ماتوا منذ زمن، ولا أحد يعرف لماذا ماتوا.

وواصل سلوم:

والبعض يقول إنهم اختفوا فجأة… ولا أحد يعرف أين وكيف اختفوا…

إنه بيت مسكون بالجان.

فلنبتعد عنه …

لنذهب… لقد حل الليل.

واتجه الصغار صوب بيوتهم يتحادثون حول البيت وسره، وكان محمدوه يمشي متخلفاً عنهم خطوات… لا يسمع شيئاً من حديثهم وإنما يفكر في سر البيت، ماذا عساه يكون.

(2)

في البيت، جلس محمدوه مواصلاً تفكيره… اقتربت منه أمه:

  • هيا اغسل يديك لتتعشى… فيم تفكر يا أهبل؟
  • لست أهبل… لقد شغل بالي البيت القديم المهجور…
  • ألم يحذرك أبوك من الاقتراب منه … إياك أن تفكر فيه مرة ثانية…
  • ولكن يجب أن نعرف ما بداخله … لمن البيت يا أمي؟
  • كما سمعت عن أبي … جاءت عائلة من مكان بعيد، وأرادت أن تسكن في الحارة، لكن الأهالي رفضوا … فبنت العائلة لنفسها هذا البيت على تلك الرابية البعيدة …
  • ثم … ماذا حدث؟
  • عاشت العائلة فترة فيه، ثم فجأة لم يظهر منهم أحد، لقد اختفوا …
  • أين ذهبوا؟
  • لا أحد يعرف حتى الآن، وعلى الأغلب فإن جنياً سكن البيت بعد أن أخفاهم… ولذلك فكثيراً ما سمع المارة بجوار البيت خاصة في الليل أصواتاً وصرخات، دون أن يكون فيه أحد.
  • أمر غريب حقاً (!)
  • دعك من التفكير فيه … وهيا اغسل يديك …
  • بعد أن تعشى محمدوه واستلقى على فراشه تظاهر بالنوم، بينما راح يفكر في أمر البيت مرة أخرى …

(3)

في الصباح، اجتمع مع رفاقه والتهوا فترة بلعب الكرة … لكن محمدوه رجع يذكرهم بالبيت …

  • يجب أن نعرف ما في داخل البيت، قد يكون الأمر خطيراً لحارتنا.
  • قد يكون فيه عفريت … لا يجب أن نقترب منه.

ولكن محمدوه قال بإصرار:

  • بل يجب أن نفعل ذلك، على الأقل فلنجرب… دعونا نذهب إليه الآن ونجرب.
  • كيف… سنرميه بالحجارة من بعيد… لنرى ما سيحدث …
  • يجب أن نترك الأمر لأهالينا، فهم أجدر أن يفعلوا ذلك.

ولمعت عينا محمدوه وهو يقول:

  • سأذهب إليه ومن يريد أن يرافقني، فليأت.

… ومشى مع محمدوه اثنان، وتخلف الباقون…

(4)

وقفوا على مبعدة من البيت، الشمس تنهمر من خلف البيت فلا تسمح لهم بالرؤية الجيدة، جمعوا حجارة، وتأهبوا رابطين «كناديرهم» على بطونهم تأهباً للفرار عند أي رد فعل.

  • سوف أرمي أول حصاة داخل البيت بكل قوة، وإذا سمعتم صوتاً ما … فلنهرب معاً … اتفقنا …
  • حسناً.

ورمى محمدوه حصاة سقطت في منتصف البيت … لم يحدث شيء …

  • أترون؟ لا شيء … سأرمي الحصاة الثانية.

ورماها، ولم يحدث شيء، واتبعها الثالثة فالرابعة بكل قوته. ثم أخذ رفيقاه يرمون معه … ولم يحدث شيء … ولكن فجأة سمعوا معاً صوتاً غريباً اقشعرت له أبدانهم، ففر رفيقا محمدوه، بينما بقي في مكانه جامداً جامعاً قواه … وكم كانت دهشته حين سمع صوت سليمان «البيدار» هادراً غاضباً:

  • ماذا تفعلون يا أشقياء … لقد أصبتم حماري.

التقط محمدوه أنفاسه حين رأى سليمان مقبلاً يجر حماره من وراء البيت.

  • آسفين يا سليمان … لم نقصد أن نؤذي حمارك …
  • هيا إذن … ارجعوا إلى بيوتكم، ولا تعودوا إلى شقاوتكم مرة أخرى…

وانصرف محمدوه … «لقد كان سليمان المسكين مقبلاً إذن من النخيل حين أصابت حصاة حماره فنهق متألماً… ولكن ماذا في البيت، لم يحدث شيء ونحن نرمي الحجارة» … وهكذا راح يشغل فكرة حتى وصل البيت.

(5)

قبل حلول الظلام بقليل … استطاع محمدوه أن يقنع رفيقيه بمرافقته مرة أخرى ليجرب ماذا سيحدث، فلربما كان المارد أو العفريت غائباً في النهار … فهو لا يظهر إلا في المساء كما يقول الأهالي، وقبل أن يصلوا إلى حيث كانوا في الصباح تردد رفيقاه، فخاطبهما قائلاً:

  • مالكما مترددين … هل انتما جبانان؟
  • كلا … ولكن الظلام لا يسمح لنا برؤية شيء … ثم إننا سنتأخر وسيقلق علينا الأهل.
  • لا عليكما … يجب أن نعرف الليلة ما في داخل هذا البيت، سوف أرمي حجارة كما فعلنا في الصباح لنرى ما سيحدث ورمى أول حجر، ثم تبعه الثاني … ولما رمى الثالث سمع نهيق حمار غاضب
  • إنه صوت حمار …
  • نعم.

وبعد قليل سمعوا صوت سليمان:

  • حتى في الليل ترجعون لشقاوتكم أيها الملاعين، أليس وراءكم أهل يربونكم… لماذا لا تتركوننا نرتاح؟

وتحدث إليه محمدوه …

  • أهذا أنت يا سليمان؟ ماذا تصنع هنا؟ ألا تخشى العفريت؟ ..

ورد سليمان غاضباً:

  • العفريت سيلحقكم إن لم ترجعوا، وتتركوا الناس لحالها … أما وجدتم مكاناً ترمونه بالحجارة غير هنا؟
  • أردنا أن نتأكد مما يدور حول البيت من حكايات.
  • البيت خال، ولا أحد يسكنه غيري …

وعقدت الدهشة ألسنة الصغار، فتساءلوا معا:

  • أنت تسكن البيت!

فرد عليهم:

  • أتريدون فقيراً مثلي أن يسكن في بيوت مثل بيوتكم؟
  • والعفريت؟
  • لا يعرفه غير أهلكم الذين يخيفونكم به …

… بعد لحظات دخل سليمان البيت المهجور … ورجع الصبية إلى بيوتهم مسرورين لاكتشافهم ما لم يكتشفه الكبار …

في الصباح نقلوا ملعبهم إلى قرب البيت المهجور بعد أن عرفوا سره …

سر البيت المهجور