لا نستبعد أن يأتي اليوم الذي يتغدى فيه، أو يتعشى، أحدنا على لحم طفله الطري (دون علمه طبعاً)، على أنه خروف محلي صغير، أو دجاجة أو بطة سمينة، محشوة بالتوابل والبهارات.
صحيح أن ما نقوله أغرب من الخيال، فهو من بشاعته لا يمكن تصديقه أو تصور حدوثه، غير أن مقدمات من هذا النوع، يمكن أن تتحول إلى حقيقة، ولو كانت أغرب من خيال ألفرد هيتشكوك واجاثا كريستي وفرانکشتاین والرجل الأخضر والرجل الأحمر أيضاً وكل أفلام ومبدعي الرعب والكوابيس.
والمقدمات قرأنا بعضها، وشاهدنا وسمعنا عن بعضها الآخر، في حوادث الخدامات والشغالات في كل بيت خليجي، ونحن نكاد لا نصدق في كل مرة، أنه يمكن لمثل هذه الحوادث أن تصل إلى هذا المستوى، وإلى هذه النتائج.
وآخر ما قرأنا عن مواطن كويتي، شم لدى دخوله بيته رائحة شواء، وربما في لحظة، خاصة إذا كان عائداً لتوه من العمل مرهقاً، منى نفسه بوجبة غداء دسمة، يستلقي بعدها على السرير في إغفاءة القايلة تحت هبوب المكيف، غير أنه توجه إلى المطبخ من فوره، وعندما فتح الفرن وجد ابنه الوحيد، الطفل ذا السبعة أشهر يحترق بداخله.
ويكمل الخبر، فيقول، إن المواطن من فزعه وذهوله وإصابته عندئذ بحالة هستيريا (ولابد أن يصاب بأكثر من ذلك، إذ لا يمكن أن يرى طفله ينشوي في الفرن، فيضحك ويسر) توجه إلى غرفه النوم فحمل زوجته وألقى بها من الدور الثالث.
وعلى طريقة أفلام الرعب، لم نعرف مصير الزوجة، التي لابد أنها صارت بودرة وطحينة، ففقد هذا المنكوب الزوجة والطفل معاً، لذلك نبقى مع الخبر، الذي يفيدنا بعد ذلك أن التحقيقات كشفت أن الخادمة الفلبينية وضعت الطفل في الفرن وهربت تاركة المنزل، انتقاماً من سيدتها ربة البيت وأم الطفل، التي سبق أن عاقبتها بحرق يدها، لأنها أحرقت الحجاب الذي كانت تنوي ارتداءه يوم العيد، ما يجعل من هذا الحجاب، أغلى قطعة قماش في التاريخ، ما دام طفل سفح دمه وشوي لحمه فداء له.
وواضح من سياق الخبر، أن الأم العزيزة، التي لقيت بعد ذلك جزاءها رمياً من حالق، تسترخي في غرفتها، لا علم لها بشيء، ولا بطفلها الذي وضعته بين يدي الأم المستوردة، حالها في ذلك حال كل أم خليجية، من اليوم التي ابتلينا فيه بالشغالات، وتحولت الأمهات إلى ملكات نحل، ولكن من غير عسل.
غير أننا لا نستطيع أن نلقي اللوم كله على الأمهات والسيدات، اللائي تخلين حقيقة عن واجباتهن الأسرية، وعن تربية أطفالهن ورعايتهم، واستسلمن للحياة المرفهة والسهلة، التي لم تعرفها سابقاً أمهاتهن وجداتهن، وإن كن يتحملن اللوم الأكبر، فالرجال تقع عليهم المسؤولية أيضاً، بعدم تصديهم للمشكلة والاسترخاء إزاءها والرضوخ لمطالب الأمهات، حين لم يعد لهم أي دور في المنزل، أكثر من النوم والأكل ومشاهدة التلفزيون، تاركين الأعباء كلها للنساء اللواتي وجدن مهرباً منها في كتيبة الشغالات والمربيات والخدم وبقية الحاشية.
وكنا نأمل في كل مرة تقع فيها حوادث بشعة على يد الخدامات، من حالات هروب وإفساد في البيوت، إلى حوادث السرقة وهتك العرض، إلى حوادث خطف الأزواج من زوجاتهم، إلى حوادث القتل الجماعي، أو الفردي، إلى حالات الانتحار، وما إلى ذلك، أن نشعر بالخطر المتربص بنا في بيوتنا، فنسارع إلى حماية أنفسنا وأطفالنا وهويتنا ومجتمعنا من هذا الوباء الاجتماعي، الذي ظاهره رحمة وباطنه عذاب، لولا أن أجراس الخطر والإنذار، عندنا معطلة ومقطوعة عنها الكهرباء، فلا نسمع ولا نرى ولا نتعظ. 14/6/1993