باين على الأمم المتحدة أن مصلحة الصومال ومستقبله وأمن شعبه، تهمها أكثر من مصلحة البوسنة، ولو صح مثل هذا الافتراض، فهذه أول مرة في تاريخ المنظمة الدولية، يحظى فيها شعب أسود وملون بمثل هذا الامتياز على أي شعب آخر أبيض اللون وأشقر الشعر، ما يبشر بمستقبل عظيم للبشرية كلها، خاصة لأفريقيا المنسية ولأختها آسيا.
غير أن هذا الكلام، ليس صحيحاً جملة وتفصيلاً، وكل ما في الأمر، أن الأمم المتحدة وجدت فرصة في الصومال لفرد عضلاتها، ولاستعراض قوتها، ولاختبار شعاراتها، على أفريقيا كلها، فيما لا تستطيع ذلك في البوسنة، حيث عضلات أوروبا وقوتها وهيمنتها، ومعها بالطبع أسنان وأنياب أمريكا.
فمن غير المعقول مثلاً أن تكون صلعة عيديد هي التي أغرت الأمم المتحدة على ملاحقته لاعتقاله، باعتبار هذه الصلعة تسهل للطائرات رصد تحركات الجنرال عند لمعانها تحت الشمس نهاراً وتحت القمر ليلاً، وهي تعكس الذبذبات والموجات، فيما هي لا تسعى إلى اعتقال مجرمي حرب البوسنة من زعماء الصرب وقادتهم العسكريين لمحاكمتهم لمجرد أن فوق رؤوس هؤلاء شعراً كثيفاً يضلل رادارات الطائرات والأواكس عن ملاحقتهم؟
ومن غير المعقول أيضاً أن تطارد الأمم المتحدة مجرم حرب صومالياً، لمجرد أن بلاده مكشوفة بلا غابات ولا جبال، وتمتنع عن ذلك في البوسنة وصربيا وكرواتيا، لأن الأقمار الصناعية لا تستطيع رصد مواقع المجرمين في هذه الأماكن بين الغابات والتلال والمرتفعات، فيما تدعي واشنطن التي تقود زمام كل قوات دولية، أن عندها أقماراً تصور عنوان الكتاب على الأرض، حتى خاف الرجل منا من مغازلة النساء في الشارع لكي لا تصوره هذه الأقمار وترسل صوره متلبساً إلى زوجته.
غير أن كلامنا لا يعني أننا ضد اعتقال عيديد ومحاكمته، في حال ثبوت ارتكابه لجرائم حرب في الصومال، بل إننا مع اعتقال كل مجرم آخر، في الصومال والبوسنة وغيرهما، بما في ذك اعتقال لصوص المواشي أو مجرمي المخدرات أو حتى لص دجاج في أبعد قرية في العالم، إلا أن ذلك، لا يبيح للمنظمة الدولية، أن تقيس العدالة وتشرعها بمقياسين، مقياس العين الحارة في الصومال، ومقياس العين التي لا ترى في البوسنة، أي ظلم وأي جرائم، رغم وجود قرار دولي بمحاكمة مجرمي حرب البوسنة.
والفارق في المثالين واضح وصارخ، فبينما هناك أكثر من عشرين ألف جندي من القوات الدولية في الصومال، من أكثر من عشرين دولة، لا يوجد بالمقابل في البوسنة، سوى عدة مئات من الجنود، حتى أن مدينة محاصرة مثل توزلا، يحرسها ثمانية أفراد فقط من القوات الدولية، أغلب الظن أنهم يقضون أوقاتهم في لعب الورق وشرب الشاي، فيما المدينة تفتك بها صواريخ وقذائف مدافع الصرب، ليل نهار.
وواضح طبعاً، أن ثمة تغییرات طرأت، على مفاهيم الأمم المتحدة وشعاراتها ومعاييرها، لكي تتناسب مع النظام العالمي الجديد، ونحن لم ننتبه لها بعد، فلم يعد تقرير المصير ولا حقوق الإنسان هما المهمان عندها الآن، فحلت محلها الصلعة مقياساً، لنشاطها وتحركها وعملها ولقراراتها المهمة، ما سيجعل العرب في المستقبل أكثر عرضة من غيرهم لهذا النشاط ولتلك القرارات، بما فيهم خبطهم على رؤوسهم بالصواريخ، باعتبارهم أكثر شعوب الأرض وفرة في الصلع، بما يفوق صلعة الجنرال عیديد لمعاناً، واستدارة وإغراء، من صلعة سمير غانم الذي انتبه مبكراً فغطاها بباروكة، إلى صلعات بعض زملائنا الصحفيين المعرضة للقصف في كل حين، إذا لم يلحقوا أنفسهم. 22/6/1993
صلعة عيديد – عبد الحميد أحمد