عبد الحميد أحمد

الإصلاح ضرورة ومطلب شعبي وليس مجرد مبادرة أميركية

لا نعرف لماذا تتحفظ الأنظمة العربية على المشروع الأميركي للإصلاح في الشرق الأوسط، وهي التي طوال تاريخها،أي الخمسين عاماً الماضية، كانت مع أميركا ومع “ويكا ويكا” ومع “دقي يا مزيكا”، سواء فيما سمي سابقاً بمحاربة المد الشيوعي، أو لاحقاً بالمد الأصولي الإسلامي، بعد قيام الجمهورية الإسلامية في إيران والإطاحة بالنظام الشاهنشاهي فيها.
بالمقابل وعلى الدوام كانت السياسة الأميركية على طول الخط مع هذه الأنظمة العربية والأكثر تأييداً ودعماً لها مقابل تطلعات شعوبها إلى حياة أفضل، وكانت كل حركة إصلاحية من الداخل تجابه من هذه الأنظمة بالقمع بحجج التمرد والثورة وغيرهما، فتؤيد أميركا هذا القمع بلا تردد، على نحو ما جرى وما زال يجري حتى الآن في أماكن أخرى في العالم، كأميركا اللاتينية والجنوبية، أو على الأقل فإنها تغض النظر، كما هو الحال مع الدول العربية، فلم تعترض على انتهاكات حقوق الإنسان في أي من دولنا العربية إلا مؤخراً.
ولنذكر هنا على سبيل المثال ما عبّر عنه الزعيم الليبي معمر القذافي مؤخراً الذي قال إن أميركا أمة متقدمة وإنها لم تكن قط عدوة لبلاده، وكأن لسان حاله يعبر عن كافة الأنظمة في المنطقة، كأسطع دليل على ما نذهب إليه من استنتاج. إلا أن القذافي، بهذا الاعتراف، يمكن اعتباره الأشجع من بين الأنظمة على مكاشفة شعبه بالحقيقة.
النتيجة لمثل هذا الحلف غير المقدس والعلني أحياناً، والسري في أكثر الأحيان، أن صمدت الأنظمة العربية عقوداً حتى أسن ماؤها، فكان المتضرر الوحيد هو شعوب الدول العربية، التي لا تزال تدفع الثمن على شكل إحباطات سياسية (عدم تحرير فلسطين) وتخلف اقتصادي واجتماعي (فشل مشاريع التنمية وزيادة البطالة والجهل والأمية) وأخيراً وهو الأهم فقدان أدنى مبادئ حقوق الإنسان (لا حرية، لا مشاركة، لا صحافة حرة).
هل نعطي أمثلة؟ الأمثلة كثيرة لعل أسطعها النظام العراقي البائد بزعامة الديكتاتور صدام حسين، وعلى مثل هذا النظام تتراوح البقية من الأنظمة العربية باختلافات تجميلية بسيطة هنا وهناك.
وبعيداً عن التفاصيل، نعود إلى السؤال المحير: لماذا ترفض هذه الأنظمة الآن مشروعاً يأتي من صديق حقيقي لها ساهم في تثبيت أركانها؟ الجواب لا يستدعي تفكيراً طويلاً، ذلك لأن هذه الأنظمة لا تريد الإصلاح وتخاف منه، حتى لو أتى من صديق يحاول مد طوق النجاة لها لكي يديمها أكثر. أمّا الحجج التي تساق كالعادة فمن بينها رفض المشاريع من الخارج وحل القضية الفلسطينية أولاً، والحفاظ على ثقافة وهوية الشعوب العربية وغير ذلك من حجج ظلت الأنظمة العربية، خاصةً التي تدَّعي الثورية منها، ترددها على الدوام، لكي تجنب نفسها القيام بأية حركة إصلاحية في صالح شعوبها وفي صالح حرية هذه الشعوب ومشاركتها في صنع مستقبلها وحاضرها.
طبعاً هناك من يؤيد هذه الأنظمة في حججها ومن بين المؤيدين للأسف نجد نخباً مثقفة ومتعلمة وبعضها ربما لا يجمعه مع هذه الأنظمة، سوى أنه على الدوام يعادي أميركا ويشك فيها، فيما الأنظمة نفسها لم تشك يوماً في نوايا أميركا تجاهها حتى رأت بأم أعينها- وكما رأى العالم كله- المصباح الذي يفحص به جندي أميركي فم صدام حسين، الذي انقلبت عليه أميركا بعد أن انتهت صلاحيته، فكان في هجوم 11/9 الإرهابي المبرر لإطاحته ولإطاحة غيره، فحل الخوف والشك محل الاطمئنان القديم تجاه الصديقة والعزيزة على الدوام.. أميركا.
الآن، الأنظمة العربية ليست مترددة فحسب تجاه المشروع الأميركي للإصلاحات بل إنها في قرارة نفسها ترفضه، لسبب بسيط وهو أنها لا تريد الإصلاح أصلاً، لأن الإصلاح في جوهره تطالب به الشعوب العربية على الدوام، على شكل إشاعة دولة القانون والمؤسسات والحريات المسؤولة والمشاركة السياسية، وهي المطالب التي تم تجاهلها باستمرار من غالبية الأنظمة العربية، خاصة الثورية منها التي رفعت شعارات لا صوت يعلو فوق صوت المعركة – أي الحرب مع إسرائيل- تبريراً لاستمرار سياساتها المتعسفة بحق شعوبها.
وحين يتعلق الأمر بإسرائيل فإن هناك من العرب من يربط الإصلاحات بالحل السلمي للقضية الفلسطينية، وفي ذلك ابتزاز سياسي مخجل، فالإصلاح شيء وحل القضية الفلسطينية، سلماً أم حرباً، شيء آخر. ويذكرنا هذا الابتزاز بممارسة بعض الأنظمة التي قمعت شعوبها ودمرت ثرواتها وصادرت الحقوق المدنية بحجة انشغالها وانهماكها وتسخير كافة الموارد والإمكانيات والأوقات للحرب مع إسرائيل، فانتهينا بضياع ما تبقى من القضية الفلسطينية وبتدمير هذه الدول من الداخل، والعراق ليس إلا المثال الساطع، لكي لا نسمي دولاً أخرى.
الإصلاح يا جماعة، مطلب عربي من المحيط إلى الخليج، وليس مطلباً أميركياً، ولا أعتقد أن الشعب العربي يؤيد أي نظام يماطل في الإصلاح، وبدلاً من أن تتحجج هذه الأنظمة بأنها ترفض الإصلاح لأن أميركا تريده الآن، كان الأحرى بها أن تبادر هي منذ زمن بالإصلاحات، خاصةً بعد الأزمات الكبيرة التي منيت بها وآخرها الحرب على العراق واحتلاله.

عبد الحميد أحمد
جريدة الاتحاد

الثلاثاء 9 مارس 2004