عبد الحميد أحمد

العراق والإرهاب والإصلاحات على أجندة قمة (التعاون)

قمة دول التعاون الخليجي التي تنعقد هذا الشهر في الكويت، ينبغي أن تكون قمة غير عادية في قراراتها وموقفها التاريخي، فهي تنعقد في أعقاب زلزال كبير ضرب المنطقة ولا تزال توابعه تضرب هنا وهناك، ونقصد به الإطاحة بالنظام العراقي والاحتلال الأميركي للعراق وما استتبع ذلك من تبعات و مسؤوليات.
هذا الزلزال لا يحدث على أطراف هذه الدول، بل في عقر دارها، وإفرازاته بدأت تظهر على السطح، على شكل إرهاب يهز بعض هذه الدول ومطالبات بإصلاحات جذرية وضغوط أميركية لا تنتهي واتهامات لا حدود لها من قبل العصابة الصهيونية في الإدارة الأميركية.
وكانت القمة الخليجية السنوية قد دأبت منذ سنوات، وتحديداً ما بعد عام 90، عام الغزو العراقي للكويت، على اجترار قراراتها وتوصياتها، حتى أن بياناتها الختامية تكاد تكون متشابهة، فيما يتعلق بقضايا إقليمية ودولية، كقرارات الأمم المتحدة المفروضة على العراق والمطالبات المستمرة بتنفيذها، وكالقرارات المتعلقة بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وهي بيانات مكررة، لا قيمة لها،تدل إن دلت على شيء، على الجمود الذي وصلت إليه منظمة التعاون الخليجي والعجز الذي يعتريها.
ومع هذا الجمود تعطلت قرارات كثيرة على صلة بالمنطقة ودول التعاون، كالقرارات الاقتصادية والثقافية وغيرها، وتعطلت الآليات، فكان المجلس الخليجي يجتمع من أجل الاجتماع فقط، لا من أجل العمل والتنفيذ، فآليات العمل غائبة وأدوات التنفيذ معطلة.
اليوم، الاجتماع المقبل في الكويت، ولمكان الاجتماع بالصدفة، دلالة جغرافية وتاريخية، فالاجتماع ينعقد على مقربة من العراق الذي تسبب في ظل نظامه السابق بأكثر المصاعب والمتاعب والمخاطر لكافة دول الخليج العربية، وتوجها باحتلال الكويت، المجاورة له جغرافياً، ما سوف يجعل الوضع في العراق متصدراً لأعمال هذه القمة.
وهكذا، فإن أجندة اجتماع دول التعاون هذه المرة، ينبغي في رأينا أن تكون على رأسها ثلاث قضايا جوهرية:
( الأولى: الوضع في العراق والموقف الخليجي من الاحتلال الأميركي.
( الثانية: الإرهاب ووسائل مكافحته، خاصة أن لهيب هذا الإرهاب قد وصل إلى أعضاء في البيت الخليجي.
( الثالثة: الإصلاحات، وهو الموضوع المسكوت عنه أحياناً والمؤجل أحياناً أخرى.
بالنسبة للموضوع الأول فدول الخليج العربية لا شك تقف ضد الاحتلال الأميركي في العراق وإن كانت تؤيد بقاءه لفترة لحين ترتيب الأوضاع في العراق وتسليم السلطة إلى العراقيين. غير أن السؤال الذي سيكون مهماً الإجابة عنه، إلى متى يبقى هذا الاحتلال، وما هي الأجندة الزمنية له، وما هي الترتيبات المتوجبة على دول الخليج تجاه الحكم العراقي المقبل!.
واشنطن ليست لديها أجندة زمنية وهي تتهرب حتى الآن من وضع مثل هذه الأجندة، وكذلك فإن الأوضاع الأمنية تسوء في العراق مع استمرار هذا الاحتلال، ما يشكل ذلك ضغطاً على دول الخليج، ذلك لأن بلداً مجاوراً وكبيراً مثل العراق يقف على حافة المجهول، خاصة مع عدم قيام سلطة وطنية فيه ترضي كافة الشعب العراقي.
هذا المجهول العراقي سيكون مثار خوف لكافة دول الخليج أعضاء مجلس التعاون الخليجي ولكافة المجلس على نحو سواء، ما سيجعل الملف العراقي مفتوحاً، وما سيتطلب من المجلس دراسة كافة الاحتمالات ووضع كافة السيناريوهات المحتملة على طاولة الاجتماعات.
الثانـي، الإرهاب، ودول الخليج لديها تراث في التعاون الأمني، وربما أن هذا هو المنجز الوحيد لدول التعاون، حيث كرس وجوده وحضوره منذ تأسيسه عام 80 (وربما أن الهاجس الأمني كان وراء إنشاء المجلس عقب انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 80) على التعاون العسكري والأمني، وحقق بعض النجاحات في هذا الإطار، إلا أن النتائج ليست حسب المتوقع، ما سيجعل هذا الهاجس، أي الأمن، مسيطراً مرة أخرى، خاصة في ظل اتهامات غربية بعد هجمات 9/11 بتفريخ الإرهابيين في دولنا.
الثالـث، الإصلاحات، فإذا كان الموضوع العراقي والأمني قد حظيا على الدوام بنقاش وقرارات من مجلس التعاون منذ تأسيسه وزاد هذا الاهتمام بهما بعد غزو الكويت، فإن موضوع الإصلاحات السياسية والاقتصادية والتعليمية وغيرها ظل باستمرار حبيس الأدراج، على رغم العواصف التي عصفت بالمنطقة كالحرب العراقية الإيرانية وغزو الكويت، وكان المجلس وبعض دوله يعد بعد كل عاصفة وإن كان همساً بإجراء إصلاحات، ثم لا يلبث هذا الهمس أن يتوارى ويتم نسيانه.
وهكذا فإن موضوع الإصلاحات على مستوى دول التعاون، التي تتشابه أنظمتها السياسية الحاكمة ونسجها الاجتماعي والاقتصادي، سيكون مهماً وأساسياً، فقد ثبت الآن بعد كل هذه الأخطار أن الإصلاحات قضية جوهرية، لا ترفاً، وأنه كلما سارت دولة من دولنا في طريقها كلما ضمن لها ذلك المزيد من الأمن والاستقرار والتقدم.

عبد الحميد أحمد
جريدة الاتحاد

الأربعاء 3 ديسمبر 2003