حصدت الطرقات خلال اسبوع، هو اسبوع العيد والاجازات، عددا من الشباب في حوادث سير مؤسفة، وأليمة، وفي أنحاء متفرقة من الدولة ، وذلك ضمن سياق مسلسل الموت على الطرقات الذي نعرف منذ سنوات، والذي يصل عدد ضحاياه سنويا رقما يفوق ضحايا حروب وكوارث طبيعية. ومع هذه الحوادث التي تخلف الحسرة والألم والحزن في نفوس أصحاب الضحايا من أهل وأقارب، خاصة ان شبابا في عمر الزهور هم حصادها، نعيد الكلام كل مرة عن الأسباب والدوافع، ثم ننسى الأمر الى حين تقع حوادث اخرى فنتذكر هذا الهدر البشري، من دون أن تكون هناك وسيلة فعالة وطريقة حاسمة لوقفه، وكأن الموت على الطرقات ثمن ينبغي دفعه من دمائنا لما نعيش من نهضة وبحبوحة، او ضريبة مستحقة للمستوى الاقتصادي الذي وصلنا اليه في سنوات الرفاه. غير ان هناك دولا كالدول الاوروبية، تفوقنا نهضة وتقدما ومستوى اقتصاديا ورفاهية، بما لا يقارن، ومع ذلك لا تشهد طرقاتها حوادث كالتي تشهدها طرقاتنا، ولايموت فيها شبابهم بالسيارات كما يموت شبابنا، ما يجعلنا نستبعد المستوى الاقتصادي سببا، ونستبعد معه في الوقت نفسه اسبابا اخرى حسبت ضمن اسباب الحوادث، مثل كثرة السيارات ومستخدميها واغراء الطرقات الجيدة للسرعة، وعدم الوعي وقلة الحرص والاستهتار وما الى ذلك. وجميع هذه الاسباب الظاهرة للعيان، قد تخفي في حقيقتها ماهو أعمق من ذلك، فالسرعة مثلا ليست قصرا على الشباب وان كان هؤلاء يبالغون فيها، انما يمكن الجزم ان تعمد هؤلاء القيادة بسرعة وطيش، مثلما هم يتعمدون اشياء اخرى في حياتهم اليومية، كالهروب من المدارس وعدم احترام الدراسة واللامبالاة وغير ذلك من سلوكيات شاذة، انما يخفي وراءه دوافع نفسية، لعل ابرزها ان احساسهم بقيمة الحياة، وبقيمة انفسهم، في الحضيض، مايفسر عدم مبالاتهم الى هذه الحدود الخطرة. اما عدم الإحساس بقيمة الحياة ومسؤولياتها والاستهتار بها، مما نراه منعكسا في سلوكيات غريبة حقا، فهو مما ينبغي دراسته بعمق من قبل الباحثين، إذ أن هذا الشعور قد يخفي وراءه انهيار المناعة الذاتية في نفوس الشباب، وهي قد تكون من نتائج انهيار المناعة الاجتماعية، وتتمثل هذه خير تمثيل في ضعف وتردي النظام التعليمي، من البيت الى المدرسة، وصولا الى المجتمع كله، مقابل التقدم الهائل في نواحي الحياة الأخرى والتي لم يقابلها تقدم مماثل في تدعيم نظام المناعة. غير ان هذا ليس بحثا اجتماعيا، فنترك البحث للمختصين، وان كنا نقترح تدعيم بعض القناعات لدى الفتية والشباب، اعتبارا من طفولتهم وعلى مقاعد الدراسة، كتنمية الشعور بالولاء للوطن، وتنمية الاحساس بقيمة الحياة وجدواها وأهمية الانسان فيها، ربما تكون مثل هذه القناعات خير وقاية لهم وهم يشقون طريقهم في الحياة، فلا يسقطون ضحايا السرعة او ما يماثلها من أخطار ومنها المخدرات. وربما كان مفيدا في هذا السياق العودة الى اقتراح ادخال التربية العسكرية او ما يماثلها في المناهج التربوية، بعد تعذر امكانية فرض التجنيد الاجباري، او تدعيم المناهج ببرامج توعية ترتقي بمستوى فهم الشاب للحياة ولمسؤولياته تجاهها وتجاه نفسه وأهله ووطنه.
عبد الحميد أحمد
التاريخ: 02 أبريل 1999