ما دام هناك من يتجول من المواطنين وفي جيبه اوراق نقدية استعدادا لشراء أسهم أيا ما تكون، وما دام هناك من يلحق السؤال عن الصحة بالسؤال عن الأسهم، فإن الافضل والعام الدراسي في أوله أن نضيف مادة إلى المنهج تعلم كيفية التجارة بالأسهم، نسميها مادة الأسهم النارية . هذه الأسهم ظلت لسنوات لعبة عدد محدود من الناس، هم العادة كبار رجال الاعمال والمستثمرون الذين عندهم فائض مال أو الذين لا عمل لهم سوى الاستثمار بأموالهم في ودائع أو عقارات أو اسهم، أما اليوم فلم اجد رجلاً أو شاباً أو امرأة أو حتى صبياً إلا يتحدث في الاسهم وعنها، وهناك من زاد فباع واشترى واشترى وباع، وطابت له الاقامة في سوق الاسهم، مثلما طابت الاقامة سابقاً لغيره في سوق الصخام مثلاً.
طبعا ليست هناك سوق فعلية للاسهم، أي مكان يجتمع فيه من يبيع ويشتري كما هو الحال في دول اخرى فيسمون هذه السوق بالبورصة، لذلك تحولت عندنا مكاتب العمل ومجالس البيوت ومقاهي الطرقات والهواتف المحمولة ومن وراء كل ذلك مكاتب السمسرة إلى سوق اسهم، امتدت بفعل ضربة جن لتشمل البيوت وحتى المساجد، فلا صوت يعلو فوق صوت الاسهم.
في هذه السوق اللامرئية والموجودة في كل مكان، نشط، لا السماسرة وحدهم والدلالون، بل المحللون ايضا، الذين صارت مؤشرات الاسهم تنتظر توقعاتهم وتحليلاتهم، فترتفع أو تهبط، وهي على الأغلب ودائماً ترتفع عندنا، فترفع معها الاسعار إلى أعلى، فيتعلق بدباديبها من يتعلق ويصعد معها بعد أن يكون قد دخلت جيبه بضعة ملايين من صفقة سريعة غير متوقعة. لذلك فالسوق اكثر اغراء من الوظيفة ومن وديعة البنك والعقار والاستيراد والتصدير وكل تجارة اخرى، لان ربحها بوضعها الحالي، علاوة على أنه سريع، مرتفع بما لا يقارن، فكثرت فيه الاسماك من كل نوع، بفارق ان الاسماك الصغيرة اصبحت الغالبية تجوس فيه بحثاً عن لقمة سائغة تراها صيداً سهلاً.
وبما انه في هذا الصيف وحده، وفي اقل من شهر أو شهرين، زاد زبائن السوق ولم يبق هناك مواطن لم يدخل فيه جاراً غيره أو مجروراً بغيره، فكان اسخن صيف مالي وتجاري على خلاف كل التوقعات، فإن ادخال مادة لتعليم تجارة الاسهم والشركات إلى المناهج التعليمية اقتراح في محله، ليس لانه سيجد الطلبة الراغبين في دراسة هذه المادة، بل لان تطور السوق والمجتمع يفرض هذه المادة، وتلبية لشعار التعليم في خدمة المجتمع. ونختم بأن تعليم الناس معنى الاسهم والحصص واسعارها وتأسيس الشركات والقيمة السوقية لها ورأسمالها وارباحها أفضل بكثير من تعليمهم تاريخ الامبراطورية الرومانية واليونانية أو تعليمهم جغرافية السودان، وتوزيع المواشي والاغنام على عدد السكان فيه لا لتجنيبهم مخاطر هذه السوق فحسب، فلا يقع فيهم من يقع ضحية الخسارة الباهظة، بل لان الامبراطوريتين لم يبق منهما سوى الاعمدة الرخامية والسودان لم يبق فيه غنم!
عبد الحميد أحمد
التاريخ: 13 سبتمبر 1998