نسجل من وقائع تشييع جنازة الملك حسين امس هذه الانطباعات: الحشد العربي والعالمي من الملوك والزعماء والرؤساء والموفدين الرسميين لبلدانهم ، الذي شارك في مراسم التشييع الطويلة إلى حد ما، اظهر مدى المكانة التي يحتلها الملك حسين عند هذه الدول مجتمعة، كبيرها وصغيرها على السواء، وهو ربما يكون التراث الاهم والانجاز الاعظم الذي يخلفه الملك الراحل للملك الجديد.
هذا الحشد، يظهر من ناحية اخرى الاجماع على الاردن ودوره في المنطقة واهمية بقائه مستقرا وآمنا، فإذا كان الحشد العربي والعالمي أظهر مكانة الملك الراحل فهو أظهر بالتأكيد تأييدا ساحقا للمملكة، مؤسسات ونظام حكم وشعب ودولة.
لم يخلُ الحشد العربي والعالمي من مفاجآت، حيث حضر المراسم زعماء عرب كالبشير والاسد، وممثلون رسميون من مستويات عالية لدول الخليج العربية كالاميرين عبدالله من السعودية، وسعد من الكويت، اما عالميا فمن بعد الرئيس الامريكي كلينتون الذي اصطحب رؤساء سابقين ووفداً كبيراً، جاءت مشاركة بوريس يلتسين مفاجأة فعلا، ثم هناك دول اسيا وافريقيا، وكأن قمة عالمية انعقدت في عمان امس.
الحضور الاسرائيلي كان كبيراً بدوره، فمن رئيس الكيان عيزرا وايزمان إلى رئيس الحكومة نتانياهو مرورا بزعماء احزاب معارضة وسياسيين اخرين، نفهم، لا المكانة التي احتلها الملك الراحل عند الاسرائيليين، وانما احساسا من نوع ما بمدى ما افتقده هؤلاء في رحيل شخص الملك، ومن ثم القلق على المستقبل، خاصة ان الملك كان من اكبر دعاة السلام مع اسرائيل سرا وعلنا على السواء.
للمرة الاولى يجمع مكان واحد ومناسبة واحدة مسؤولين وزعماء عربا ومسلمين مع زعماء ومسؤولين اسرائيليين، في اشارة واضحة إلى نمط شخصية الملك الراحل ودوره السياسي، الذي ابى حتى في مماته الا ان يجمع الاعداء على الاتفاق عليه، حتى وبعضهم كان لوقت ما من اشد المختلفين معه، سياسيا، فهو جامع المتناقضات، السمة الرئيسية التي ميزت حكمه وسياساته.
الترتيبات الامنية والمراسمية شديدة الدقة والنظام، ما يفسر، لا قبضة الامن القوية وقوة هذا الامن في الاردن فقط، وانما قوة المؤسسات وحضورها ودورها في الحياة العامة الاردنية، ومنها مؤسسة الجيش والقوات المسلحة، التي تعد ــ هذه المؤسسات لا الجيش وحده ــ من انجازات الملك الراحل الفريدة.
أخيرا، ربما ازالت مراسم التشييع المنظمة والحضور العربي والعالمي هذه المراسم، القلق على الاردن ما بعد حسين، فهناك اجماع يشبه الاستفتاء بنعم عربيا وعالميا، على دعم الاردن وتأييده ومساعدته، وهو اجماع يجعل الملك الجديد يخطو خطواته الاولى في الحكم بمزيد من الثقة، مستفيدا من هذا الاجماع أولا، وثانيا من المنجزات التي تركها له والده، من دولة المؤسسات إلى هذا التأييد الكبير العربي والعالمي معا.
عبد الحميد أحمد
التاريخ: 09 فبراير 1999