عبد الحميد أحمد

علة القرن

الافضل ان نبقى عند منتصف ليلة 31 ديسمبر الحالي، سالمين غانمين في بيوتنا، فننجو من احتمالات المخاطر بسبب علة القرن أو مشكلة الصفرين، واذا كان الرئيس الفلبيني جوزيف استرادا يتحدى المشكلة بقضائه ليلة رأس السنة مسافرا على متن الخطوط الوطنية لبلاده لاثبات قدرتها ورد التهم عنها بالفشل في معالجة مشكلة الصفرين.
فذنبه على جنبه، فهو اما يعود سالما فيكون المسئولون بالشركة صادقين، واما يضيع في الفضاء ولا يعود إلى الارض، وفي الحالتين، سيكون المسئولون في منأى عن المحاسبة، فمن يستطيع أن يحاسبهم غير الرئيس نفسه، وهذا طار ولم يعد؟ طبعا هناك عشرات ومئات من المسئولين الآخرين في شركات طيران ومصارف وغيرها اخذوا على عواتقهم طمأنة الناس إلى صحة اجراءاتهم واتخاذهم الاحتياطات اللازمة لتجاوز علة القرن، وهو ربما ما يكون صحيحا مع شركات ومؤسسات تنتمي لدول تملك القدرات الفنية والتكنولوجية اللازمة، علاوة على احساس عال، بالمسئولية تجاه الناس، ما لا نجد له مقابلا في دول اخرى، فيكون الافضل للناس ان تخمد في بيوتها وتنام هانئة مطمئنة، فعلى الاقل كل يعرف ما في بيته، فيستطيع التصرف في حدود مشكلته.

مع ذلك فالاطمئنان غير وارد على الاطلاق، لا في الدول المتقدمة ولا في البلدان المتخلفة، حتى مع المبالغات التي تشهدها الصحافة نقلا عن مسئولين بحل المشكلة واتخاذ الاحتياطات، فمن اليابانية التي جمعت مؤونة شتاء كامل في براميل داخل بيتها مع موقد ناري تحسبا لاضطرابات في الاجهزة ليلة الالفية وبعدها، إلى آلاف المسافرين في منطقتنا الغوا حجوزات سفرهم فاضطرت شركات إلى الغاء طيرانها بالمقابل ليوم أو ليومين، يكون عدم الاطمئنان هو سيد الموقف، لا الاطمئنان الذي ينشده المسئولون.

طبعا هناك بلدان سوف تشهد ليلة الالفية وحلول العام الفين صاحب مشكلة الصفرين عليها قبل غيرها نظرا لاختلاف التوقيت وحسب مكانها من خط جرينتش، فيكون الناس في مثل هذه البلدان فئران تجارب وحقل اختبارات لغيرهم، كاستراليا مثلا التي بعثت اليها بريطانيا ضباط مخابرات لمعرفة المشكلات التي من الممكن ان تقع ليلة الالفية أو ظهور اية ظاهرة خاصة، فيتم نقلها فورا لعلم بريطانيا لاتخاذ التدابير.

غير ان الناس قد تعاني من مشكلات اقل من ذلك ولكنها مزعجة في حال لم يتم اتخاذ تدابير وطوارىء، من امكانيات لانقطاع الكهرباء والتدفئة إلى تعطل اجهزة تبريد وثلاجات وتكييف مرورا بتعطل اجهزة ضرورية اخرى بما فيها سيارات تعمل اجزاء منها بالكمبيوتر، وهكذا، وصولا بالطبع إلى تعطل مصاعد عمارات مثلا أو مستشفيات أو حركة طرق واشارات مرور والف علة اخرى يمكن ان تتسبب بها علة القرن

وبما ان كل احتمال وارد مع علة القرن حتى مع الاحتياطيات الكبيرة التي اتخذتها الدول والشركات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية، اذ لن يخلو الامر من سهو هنا وخطأ هناك، فان المطمئنين الوحيدين ليلة الالفية وما بعدها هم الذين لم تصلهم كهرباء في القرن العشرين ولا عرفوا الاتصالات ولا الكمبيوتر ولا السيارات، ممن يعيش بعضهم في ربوع افريقيا وآسيا أو في اطراف من قرانا العربية السعيدة، التي اخذت مؤخرة غوار الكهرباء من امامها إلى اليوم

مع ذلك، فمصائب قوم عند قوم فوائد، ومنها ان اصحو مثلا في اليوم الاول من عام الفين لاجد حسابا من حسابات بيل جيتس قد قفز إلى حسابي المصرفي، ما يكفيني لأعيش بقية عمري في هناء ونعيم، فتكون ليلة الالفية فاتحة خير لقرن من السعادة تعوض عن قرن من الطفر والعوز والخيبة.

عبد الحميد أحمد

التاريخ: 22 ديسمبر 1999