تدل التسريبات الأولية شبه المؤكدة عن نتائج أعمال القطاع المصرفي على أرباح ضخمة تفوق تلك التي تحققت خلال العام الماضي والذي قبله، حتى مع وجود أزمة في السوق وأخرى كهروب باتيل، فالأزمة عملياً خدمت البنوك في أكثر من جانب مما سنعود إليه، أما باتيل والهاربون الاخرون فلم يتضرر منهم سوى مصارف معينة أغلبها أجنبي .
وهكذا فالأرباح المتوقعة لمصارف وطنية سوف تتجاوز النصف مليار درهم لكل منها، وهو عادة سقف لم يصل اليه سوى مصرف أو مصرفين وطنيين، فيما المتوقع ان تخرق هذا السقف عدة مصارف وطنية عن أعمالها للعام 99 الماضي، من بنك المشرق فبنك أبوظبي التجاري الى بنك دبي الاسلامي فبنك الامارات الدولي، حتى والعام 99 نفسه عام أزمة سوق عامة، وركود في العقارات والاسهم والتجارة، فيا للعجب! طبعاً بقية المصارف الأخرى من المتوقع ان تحقق قفزات في الارباح قياسية، ومن المتوقع أن تعمل جميعها على اعادة الاقبال على شراء أسهمها بعد ضعف مريب في التداول، خاصة مع احتمالات لجوء مصارف الى توزيعات نقدية مع أسهم منحة، فيما الشركات المساهمة العامة الاخرى في قطاعات كالعقارات والصناعة والخدمات والتأمين، باستثناء (اتصالات) ، يمكن اعتبار موقفها مهزوزاً فعلياً، فبعضها لم يحقق أرباحاً تتناسب وحجمها أو حجم أعمالها وبعضها الآخر محلك سر، ثم أن توزيعها لأرباح مجزية مشكوك فيه. ما السر اذن الذي يجعل المصارف في المقدمة من حيث الارباح والنتائج، ويجعلها أيضاً تضاعف هذه الارباح حتى وهناك حقائق ملموسة عن أزمة وركود؟ عملياً المصارف تجني هذا العام نتائج عمليات ونشاطات الأعوام 96 و97 و98 تحديداً التي اشتدت فيها عمليات الاقتراض، سواء لأغراض تأسيس شركات مساهمة وشراء اسهمها أو لاغراض النشاط العقاري او لهوجة سوق الأسهم صيف 98 الساخن، اي أعوام النشاط الاقتصادي والانتعاش، حيث رفعت عمليات الاقتراض لتتجاوز 100 مليار درهم بكثير مع نهاية سبتمبر 98.
واذا أهملنا حجم الاقتراض الحكومي للفترة نفسها والذي شهد ارتفاعاً بما يزيد على 29% كانعكاس لتقلبات وانخفاض أسعار النفط في عام ،98 فان مديونية القطاع الخاص وصلت وحدها الى 99 مليار درهم في العام نفسه، تمثلت في قروض وسلف وسحب على المكشوف، وتعتبر القروض الشخصية في المركز الثاني من حيث الحجم، فقد زادت هذه من 21 مليار درهم في 97 الى 26 مليار درهم مع نهاية سبتمبر ،98 حسب احصاءات لبنك دبي الوطني، مما يمكن اعادة أسبابها الى انتعاش سوق الاسهم والذي أدى بدوره الى زيادة هذه القروض.
وهكذا فالمصارف، سواء التي سوف تخترق حاجز النصف مليار أرباحاً او تلك التي سوف تحقق قفزات هائلة في الارباح، تجني ارباح القروض والمديونية، اذ من الواضح أنه كلما زادت هذه القروض كلما زادت معها الأرباح السنوية، حتى مع تحملها نسبة مخاطرة في ديون مشكوك فيها بسبب العجز عن السداد أو غير ذلك، فهذه بنسبة قليلة لا تؤثر في موارد القروض الجاري سدادها مع الفوائد.
ولا تفسير عندي لزيادة ارباح المصارف بهذا المقدار سوى زيادة عمليات الاقراض التي تمت خلال الاعوام الماضية، خاصة العامين الماضيين، وكان بودي أن اقترح على المصارف ان تخصص جزءا من أرباحها لاعفاء بعض صغار المستثمرين خاصة المتضررين من سوق الاسهم من الدفع فتشتري ديونهم، لولا أنني بذلك أهدد أساً من أسس الاقتصاد الحر، فلا مناص من أن يكون هناك سجين بسبب دين أو من يبكي ليتدبر السداد، مقابل من يضحك بسبب الأرباح، فالعجلة تدور، والشاطر عندنا من يشتري أسهم المصارف وحدها، فواضح ان هذه كالمنشار.. والبقية تعرفونها.
بقلم عبدالحميد أحمد
التاريخ: 23 يناير 2000