عبد الحميد أحمد

سلطان العويس – الوردة والنسيم و الندى

لم يعرف في التاريخ كله من يكره النسيم أو يتخذ من الوردة عدواً أو يرى في ندى الصباح قبحاً، وهكذا فإنه لم يعرف عندنا ولن يعرف، من يكره سلطان العويس مثلاً أو اتخذه عدواً أو رأى فيه يوماً ما يستقبح من قول أو فعل، حتى الذين خالفوه في رأي أوانتقدوه في فعل أو سجلوا ملاحظة ما ، فإنما فعلوا ذلك عن محبة وود وتقدير، فسلطان من قبل ومن بعد بشر، يجتهد فيخطئ أو يصيب، ولا ثالث لهما.

مع ذلك فسلطان عاش ورحل، على صفتين نادرتين في البشر، هما أولاً ألا يكون لأحدهم عدوا أو كارها، وثانياً ألا يغضب أحداً في حياته أو يتسبب في شر أو أذى لآخرين، وهما صفتان لخصهما أمس في مجموعة الكتابات التي ترثي سلطان، كل من فاهم بن سلطان القاسمي الذي كتب شعرا: سخرت نفسك للمحبة داعياً ورحلت عنا خالي الأعداء، وعبدالغفار حسين الذي كتب نثراً: لا يأتيك من سلطان شر ان لم يصبك منه خير.

طبعاً من الصعب جداً الى درجة تقرب المستحيل ألا يخلق الانسان عدواً، خاصة من عاش عمر سلطان وكان في مواقعه التجارية والمالية والاجتماعية وغيرها، اذ كلما امتد العمر وزادت المشاغل والأعباء كثر الاحتكاك والحساسيات فالأعداء، ولا يحدث مطلقاً ألا يكون لمثل هذا أعداء من أي نوع، الا اذا كان نسيماً أو وردة أو ندى صباحياً، أو على الأقل أخذ من النسيم فالوردة فالندى خصالها وسجاياها وجمالها وأريجها ورقتها وبقية ما يجمع عليه الناس من صفات.

هل كان سلطان نسيماً اذن أو وردة أو ندى بحيث أجمع الناس كلهم على محبته، ممن عرفوه أو لم يعرفوه؟ الاجابة عند الذين عرفوه عن قرب أكثر منا غير اننا نسجل لسلطان على ما نعرف من معرفة بسيطة هو أنه رجل الخير المطلق عطاءً بالقول والفعل، اما بالفعل فهو ما يعرف الناس كلهم من كريم عطاياه وجزيل خيراته في سدود ومستشفيات ومدارس ومعاهد وجوائز ومساجد وغير ذلك، وهو ربما أسهل انواع المنح والعطاء، فمن أعطاه الله واعطى للغير، انما ينفق ويعطي من مال الله دون حاجة الى تذكير بأن خياركم خياركم لأهله.

وهكذا فان سلطاناً كان أحسن الناس الى أهله ومجتمعه، لا بالمال والفعل وحدهما، ولكن بالقول أيضاً، فهو لم يسجل عليه في حدود ما نعرف على الأقل أنه تفوه مرة بشتيمة ضد أحد او بتحريض أو بنميمة أو بكلام جارح للغير أو بتأليب وغير ذلك من أنواع القول الضار الذي يجلب الضرر والأذى والشرور على الناس ويخلق المشكلات والفتن وغيرها من مصائب، فقد كان يجنب نفسه ما أمكن أن يضر بالآخرين من قريب أو بعيد أو يتسبب لهم بأذى، وفي ذلك أحسن أنواع الخير، فكف الأذى من أعمال الصالحين.

غير أن سلطان لم يكتف بكف الأذى عن الآخرين أو الحاق الشر بهم، كما يفعل اليوم كثيرون لا يقدمون من الخير شيئا مقابل ما يلحقون الأذى بالناس، بل زاد إلى درجة أنه لم يحب في مجلسه أو حيث يتواجد أن يؤذي أحد من الحاضرين آخر، فأول معرفتي بالرجل في مكتبه المتواضع وكنت هناك لطلب المساعدة لاتحاد كتاب وأدباء الامارات انهال أحد الأدباء الناقمين على الاتحاد تجريحاً ونقداً للاتحاد، فما كان من سلطان الذي كفاني مشقة الرد الا أن أسكت الناقم بحركة هادئة من يده وهو يقول: لا أسمح بإهانة الجماعة (يقصد الاتحاد) في مكتبي.

من علم سلطان كل هذا الصفاء والود والشفافية وجمال الروح والأخلاق بحيث عاش ومات وليس له عدو؟ الاجابة قطعاً: الوردة والنسيم والندى.

عبدالحميد أحمد

التاريخ: 07 يناير 2000