مارادونا الساحر، يواجه القضاء الأرجنتيني بعد أن تبين أنه شمام وصاحب كيف.
وغير مارادونا، هناك الكثيرون من مشاهير العالم والعرب من نجوم الكرة والرياضة والفن والأدب، والسياسة أيضاً، ممن أحبهم الناس وأعجبوا بهم، سرعان ما سقطوا وانتهت أساطيرهم بفعل شمة أو مجة سيجارة أو ترويج حقنة، ونهاية كهذه لمارادونا وغيره مخزية ومؤلمة وتمسح كل تاريخهم وتلقي به في الوحل.
هذا عن المشاهير الذين يدفعون ضريبة شهرتهم فيسمع الناس في أربع جهات المعمورة عن فضائحهم كما سمعوا عن أعمالهم ومنجزاتهم، فماذا عن الشمامين، ضحايا المخدرات بأنواعها، ممن سقطوا فرائس سهلة لإغراء الدخان الأزرق، ولعصابات الترويج ولتجارة الإدمان المنظمين، ولا يكاد يعرف الواحد منا عن عمق مآسيهم بفعل هذا البلاء إلا كونهم أرقاماً إحصائية لدى دوائر الشرطة وأقسام مكافحة المخدرات ولدى الباحثين الاجتماعيين؟
وباء المخدرات يجتاح العالم وكونه مشكلة عالمية لا يقلل من أهمية التصدي لها في مجتمعاتنا التي تدفع ضريبة تحولاتها الاجتماعية على شكل أمراض وعلل جديدة وافدة، منها علة الإدمان وترويج السموم، مثلما تفعل المجتمعات الغربية وهي تحارب هذا الوباء بكل الأسلحة، الرصاص والقانون والتربية وعلم النفس والاجتماع والمال، وبإمكاننا الاستفادة كثيراً من تجارب هذه المجتمعات.
أجهزتنا الأمنية تبذل قصارى جهدها في هذا السبيل، وللحق استطاعت هذه الأجهزة تحقيق الكثير في محاربتها للمخدرات وعصاباتها وتجارها، لكن هذه الأجهزة ليست وحدها المسؤولة عن درء خطر المخدرات، وإن وقع عليها العبء الأكبر، فالمجتمع كله بمؤسساته التربوية والاجتماعية والإعلامية والعلمية مسؤول كذلك.
أول الطريق للتصدي لهذه المشكلة هو الإقرار بوجودها منا جميعاً، وبكبر حجمها، ومسؤولو الأمن ومعهم الآباء والأهل ممن ابتلي أبناؤهم وإخوانهم بهذا البلاء وتكبدوا عناءه وآلامه وحدهم يعرفون حجم المشكلة ويعرفون مدى انتشارها واتساعها والمآسي التي تتسبب فيها، ويعرفون أيضاً أوجه الخلل والقصور في مجتمعنا والتي تتسرب منها هذه السموم وتنتشر من تحت لتحت، أما نحن، بقية أعضاء المجتمع الذين نتجاهل أو نغض البصر عن مثل هذه المشكلة التي تتزايد ونقلل من خطورتها وحجمها، فلسنا إلا نعامة.
من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، 1997.