عبد الحميد أحمد

الجهل ملعون

الموت حق، والجهل ملعون و… قاتل.

على طريق الفجيرة – خورفكان توفي ثلاثة مواطنين أمس بحادث سيارة، وقبل أن تجف دماؤهم، وبعد ساعتين توفي شاب آخر مواطن دهساً تحت عجلات سيارة أخرى على الشارع نفسه وفي منطقة الحادث الأول نفسها.

في رأس الخيمة نصب عامل مصيدة كهربائية لحماية بيته فاصطادت صبياً حاول استرجاع كورته فمات صعقاً.

أما حوادث الطرق عندنا فقصة يومية، وسيرة بدأت ولا يبدو أن لها نهاية ونزيف غير قابل للتوقف.

لو قلنا إن السرعة والإهمال والتعب والإرهاق والقيادة تحت تأثير الكحول والطيش و… و… أسباب منطقية ووجيهة لمثل هذا الموت العبثي الذي يتعرض له مستعملو الطرق، وكفى، ثم ننفض أيدينا ونريح رؤوسنا، كما يحدث في كل مرة ونعاقب الناس على السرعة والطيش و… كما نفعل كل مرة هل يتوقف هذا النزيف؟ لقد فعلنا ذلك، ومع ذلك ازداد النزيف.

هل نبحث إذن في أسباب أخرى تؤدي لمثل هذه الحوادث المميتة، أسباب تتعلق بالطرق نفسها؟

… نجيب بلا تردد: نعم.

أما حوادث البيوت ومآسيها، فمفارقاتها لا حد لها. من بالوعة مفتوحة إلى مصعد شرك، إلى سلك مكشوف، إلى خزان ماء موبوء إلى أنبوبة غاز موقوتة… وهلم جرا.

وصاحبنا قاده حسن نيته لحماية بيته على أرضية الغفلة والجهل إلى نصب شرك كهربي مميت، فكان نتيجة هذا إزهاق صبي كان يلهو غافلاً.

وفي غالبية مفارقات حوادث المنازل القاتلة قاسم مشترك هو الضحية، والضحية هنا هم الأطفال، الذين يدفعون ثمن إهمالنا أو غفلتنا أو جهلنا.

إذا استطعنا إصلاح الطرق لكي تكون آمنة فينجو مستعملوها من مصائدها وشراكها، وهذا ممكن، فهل يمكن إصلاح جهل الآباء وإهمالهم وغفلتهم كي ننقذ الأطفال من الموت السهل؟ ممكن أيضاً.

وبين الطرق العوجاء وغفلتنا السوداء يتقافز الموت، ومع ذلك فهو حق، لكن الجهل ملعون و… قاتل.

من كتاب (خربشات في حدود الممكن)،  1997.