عبد الحميد أحمد

السيرك

عالم المهرجين والسيرك الذي نأخذ إليه أطفالنا في المناسبات لكي يتفرجوا عليه، لا يخلو من مفارقات مؤلمة لا يعلم بها إلا المهرجون والعاملون في الحلبة، فحسن الحلو، وهو مدرب أسود في السيرك المصري، ووارث هذه المهنة أباً عن جد، يرقد الآن في مستشفى العجوزة يعاني من الجروح المثخنة في بطنه وفخذه، أما جزء من ذراعه فلن يعود إليه بعد أن فقده نهائياً.

وحسن هذا تعرض لهجوم رباعي شرس شنه جميل ومحسن وأشرف وعزة وهي أسماء النمور التي كان يدربها ولولا أن تدخل عاملون آخرون بالسيرك بالعصي وأسياخ الحديد لراح حسن في شربة ماء، كما راح من قبله في العام ٧٢ أبوه محمد حين هجم عليه الشبل سلطان فقتله أمام أنظار ابنه.

محمد الحلو، الوريث الثالث لأبيه والذي كان واحداً من الذين أنقذوا حسن من براثن النمور المتوحشة يصر على أن عروض السيرك لن تتوقف ويقول: «هذه حياتنا، ندرب النمور والأسود ونطعمها ونقدمها للناس في العروض على الرغم من أنها أكلت أبي وكادت تقتل قريباً لي وربما فعلت ذلك بي يوماً»، ووصف محمد لهذه الحيوانات مختصر ومفيد إذ يقول عنها: «هذه حيوانات غبية بطبعها، تأكل كثيراً وتنسى كثيراً، تتذكر دائماً شريعة الغابة»!

ومن سيرك الحلو إلى سيرك السياسة العربية الذي لا يتوقف أيضاً، نلفت نظر القراء إلى الصحيفة العراقية التي يديرها عدي الابن الأكبر لصدام، صحيفة «بابل» التي اتهمت الأردنيين بالإثراء على حساب معاناة العراقيين، وتناقلت الوكالات خبرها، لنتذكر فوراً الاتهامات التي ساقها النظام العراقي للكويت قبيل الغزو، وهي الدولة التي ساندته في حربه مع إيران ثم انقض عليها مفترساً، مثل انقضاض النمور الأربعة على مدربها حسن الحلو فقطعت ذراعه التي تقدم اللحوم لها.

قديماً قال الثور الأسود: «أكلت يوم أكل الثور الأبيض»، لكن لا نعني بهذا أن النظام العراقي سينقض غداً على الأردن الذي سانده في غزوه للكويت ووقف إلى جانبه مع أن ممارسات مثل هذا النظام لا تسمح باستبعاد مثل هذا الاحتمال، فكل شيء جائز في السياسة العربية التي حوّلها البعض ممن يأكلون كثيراً وينسون كثيراً ويتذكرون دائماً شريعة الغاب على حد وصف محمد الحلو لنموره وأشباله إلى سيرك حقيقي لا تتوقف عروضه.

من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.